توقيت القاهرة المحلي 10:52:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفساد: الغنغرينا السياسية في الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

الفساد الغنغرينا السياسية في الشرق الأوسط

بقلم : أمير طاهري

 في أعقاب حملة الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة السعودية في الفترة الأخيرة ضد العشرات من الشخصيات البارزة، استحوذت قضية الفساد على جل اهتمام الرأي العام داخل كثير من الدول الإقليمية، خصوصاً إيران والعراق وأفغانستان.

المؤكد أن الفساد لطالما كان محط قلق بالغ داخل هذه الدول، بل وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ومع هذا، فإن الناس عادة ما تتحدث عن الفساد في المناصب العليا على استحياء، ويتعاملون معه بوصفه أشبه بظاهرة طبيعية مثل القحط لا يملك الإنسان فعل الكثير حياله. وهنا، جاءت التحركات السعودية لتكشف على نحو دراماتيكي أنه ما دامت الإرادة متوفرة، فستبقى هناك دوماً وسيلة لمواجهة الفساد.

داخل أفغانستان، حيث يبدو أن مليارات الدولارات من المساعدات الأجنبية تبخرت دون أثر، اعترفت الحكومة أخيراً بعد فترة طويلة من الرفض العنيد، بوجود فساد في البلاد. ومن المقرر أن تتولى لجنة برئاسة عبد الله عبد الله، رئيس الهيئة التنفيذية بالبلاد، قضية الفساد وإطلاع العالم على حقيقة الأوضاع بالبلاد. ومع أن هذه الجهود ربما لا تثمر شيئاً ملموساً نهاية الأمر، فإن حقيقة إقرار الحكومة بوجود فساد تبقى في حد ذاتها إنجازاً يستحق الترحيب.

من ناحيته، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أيضاً «الحرب ضد الفساد» بوصفها تشكل المرحلة الثانية من «الحرب ضد الإرهاب». ومن جديد، لا نملك سوى الانتظار ورؤية ما ستتمخض عنه هذه الجهود.

أما الوضع داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيبدو مغايراً تماماً، ذلك أنه حتى المسؤولون يعترفون علانية بأن الفساد مستشرٍ في أوصال البلاد. ومع هذا، لم يطرح أحد حتى هذه اللحظة على الأقل سبيلاً لمكافحته.

ونادراً ما يمر يوم دون الكشف عن قضية اختلاس أو رشوة أو ابتزاز متورط بها أحد المسؤولين البارزين بالنظام. على سبيل المثال، قال عضو «المجلس الإسلامي»، محمود صادقي، أمام جلسة مفتوحة الأسبوع الماضي إن الفساد في إيران تجاوز كل الحدود المنطقية وأصبح «ممنهجاً». وأضاف: «لم يعد الفساد داخل بضعة أماكن فحسب؛ أو داخل هيئة ما، وإنما تفشى في جميع أرجاء السلطات التنفيذية والقضائية؛ بل والتشريعية».
اللافت أنه حتى أعضاء البرلمان أنفسهم غير مخولين تفحص السجلات المالية للمجلس للتعرف على أوجه صرف الميزانية المخصصة له.

وكشف عضو آخر بالمجلس، هو حميد رضا حاج بابائي، عن حيلة جديدة في صياغة الموازنات لتسهيل الطريق أمام «الفساد الممنهج». ويقوم الأسلوب الجديد على استبدال عناصر عامة للموازنة بالعناصر التفصيلية؛ مما يمنح المسؤولين حرية مطلقة في تحديد أوجه إنفاق الأموال.

وينطبق هذا الأسلوب على الموازنة العسكرية التي زادت بنسبة 42 في المائة؛ نحو نصفها مخصص لـ«الحرس الثوري الإسلامي». وبمجرد أن تخصص وزارة الخزانة الأموال، يصبح لقادة «الحرس الثوري» الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد كيفية إنفاق الميزانية الضخمة المخصصة له.

وجرى استخدام الأسلوب ذاته مع النفقات الحكومية المرتبطة بالدعم؛ ذلك أن الموازنة الجديدة حددت المبالغ المخصصة لكل إقليم، لكن مع منح الحاكم المحلي وإمام صلاة الجمعة، الملا المعين من جانب المرشد الأعلى، حرية التصرف في تحديد أوجه الإنفاق. ويعني ذلك أن الرجلين بمقدورهما توجيه الدعم لأي شخص أو مؤسسة أو قضية يختارونها... سلطة لم يكن أي حاكم محلي في فارس القديمة ليحلم بها.
وبالاعتماد على الأسلوب ذاته، تفرض الميزانية الجديدة قيوداً على متابعة الأموال التي تنفقها إيران على «تصدير» ثورتها تتجاوز مسؤولي وزارة الخزانة وأعضاء «المجلس الإسلامي»، بل ووزارة الخارجية.

وبالمثل، فإن الأموال الموجهة إلى «فيلق القدس»، يحدد قائده الجنرال قاسم سليماني أوجه إنفاقها. وبمجرد انتقالها إلى حيازة «الفيلق»، تنتهي سلطة وزارة الخزانة ولا يصبح بمقدور مسؤوليها معرفة حجم الرواتب المخصصة لأشخاص مثل حسن نصر الله الذي يتولى إدارة الفرع اللبناني من جماعة «حزب الله» تحت قيادة الجنرال سليماني.
وقد أثار هذا الأمر غضب حتى بعض المسؤولين في الفرع الإيراني من «حزب الله». من بين هؤلاء منصور نزاري، المسؤول البارز في «حزب الله»، الذي ندد بما عدّه «تعاملات مشبوهة» وما اعتبر أنه حرمان للفرع الإيراني من «حزب الله» من المميزات ذاتها التي يحظى بها الفرع اللبناني.

ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن الفساد يضرب بجذور أعمق وأوسع داخل الجمهورية الإسلامية.

جدير بالذكر أن الميزانية الجديدة التي أقرها الرئيس حسن روحاني خصصت نحو 300 مليون دولار لـ30 شركة خاصة من المفترض أنها تروج للنسخة الخمينية من الإسلام. ويزيد ذلك بنسبة تقارب 30 في المائة عما تخصصه الميزانية ذاتها من دعم للجامعات التي من المنتظر منها جمع أموال عبر زيادة المصروفات أو اجتذاب تبرعات خاصة.
من جهته، وصف صادق زيبا كلام، البروفسور بجامعة طهران وأحد المقربين من الرئيس روحاني، هذا الوضع بأنه «شذوذ». وأضاف: «ينبغي أن يسأل الناس حول ما إذا كانوا يرغبون في إنفاق الأموال على مثل هذه الأمور، أكثر عن رغبتهم في توجيهها إلى مجالات أخرى مثل حماية البيئة».

من ناحية أخرى، فإنه في ظل وجود نحو نصف مليون ملا داخل إيران، يصبح بذلك لديها عدد رجال دين بالنسبة لكل فرد من السكان أكبر من الحال داخل التيبت البوذية قبل ضم الصين لها.

يذكر أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فر نحو 40 مسؤولاً رفيع المستوى، بينهم 5 مصرفيين في مراكز بارزة، خارج البلاد بعدما حولوا كميات ضخمة من الأموال خارج إيران. ولسبب ما، انتهت الحال بمعظمهم في كندا.

من جانبها، شرعت طهران في إجراءات ترحيل ضد واحد منهم فقط، الأمر الذي عزز شائعات تفيد بأن الهاربين في مهام غسل أموال لصالح قيادات كبرى في النظام الإيراني.

من جهته، أكد مهرداد فادئي، المحلل الاقتصادي، أن «الميزانية الجديدة تضفي طابعاً مؤسسياً على الفساد، وتوفر سبيلاً قانونية لنهب البلاد».

من جانبه، لم يوضح رئيس السلطة القضائية آية الله صادق آملي حتى هذه اللحظة كيف انتهت به الحال إلى تملك 46 حساباً مصرفياً بها نحو 500 مليون دولار في غضون 4 سنوات فقط. وقوبل تصريحه بأن هذه الحسابات على صلة بالسلطة القضائية وليست شخصية، باستهجان حتى من قبل كثيرين داخل النظام.

على جانب آخر، ألقي القبض على شقيق الرئيس روحاني، حسين فيريدون ووجهت إليه اتهامات باستغلال النفوذ والاستغلال غير القانوني لموارد عامة، بما في ذلك ممارسة ضغوط للحصول على تصاريح مصرفية لمعاونين له. أيضاً، يواجه اتهامات بتسجيل 10 ملايين متر مربع من الأراضي الممتازة في كيش وعدد من الجزر الأخرى الواقعة في مضيق هرمز، الأمر الذي ينفيه.
أضف إلى ذلك ما أعلنته وزارة الداخلية من أن «الحرس الثوري» يملك 25 رصيف ميناء في عدد من الموانئ، يمكنه من خلالها استيراد وتصدير ما يحلو له دون علم الحكومة.

في تلك الأثناء، كشف الملياردير العصامي باباك زانجاك، المسجون بتهمة تورطه في صفقات نفطية مريبة، أنه عاون أسرة الخميني على إنشاء حقيبة بقيمة 8 مليارات دولار.

وتبعاً لما ذكره آية الله هاشمي شهرودي، الرئيس الجديد لمجلس تشخيص مصلحة النظام، فإن «القطط السمان»، وغالبيتهم من الملالي وأعوانهم الأمنيين، يستثمرون أكثر عن 700 مليار دولار في الخارج.

ويعني ذلك أن الملالي لديهم ما يكفي للتقاعد، مثلما نصحهم آية الله علي موسوي أرديبيلي الذي قال في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي: «ينبغي أن يرحل رجال الدين عن السلطة التنفيذية ويعاودوا الاهتمام بدورهم الأصلي».

مما سبق يتضح أن المشكلة الرئيسية في إيران، وربما معظم أرجاء العالم المسلم، ليست الفصل بين الدين والدولة، وإنما الفصل بين المصالح التجارية والعمل السياسي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفساد الغنغرينا السياسية في الشرق الأوسط الفساد الغنغرينا السياسية في الشرق الأوسط



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon