توقيت القاهرة المحلي 03:58:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عام الروهينغا

  مصر اليوم -

عام الروهينغا

بقلم : أمير طاهري

 كثيراً ما استخدم المؤرخون في الشرق الأوسط ذكرى الكوارث العظيمة للإشارة إلى عام أو ربما عصر كامل موضع دراسة. وجاء النموذج الأصلي من شبه الجزيرة العربية في مرحلة ما قبل الإسلام بأمثلة شهيرة مثل «عام الفيل» الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة، وكذلك «عام الجراد» الذي قامت فيه أسراب ضخمة من الحشرات الجائعة بالتهام المحاصيل الزراعية في مساحات شاسعة بدأت من شبه الجزيرة العربية إلى ساحل البحر المتوسط. والعام الماضي استخدمنا الطريقة نفسها بأن أطلقنا على عام 2016 اسم «عام حلب»، للإشارة إلى الدمار الذي لحق بمدينة حلب جراء ما يعرف بـ«القصف البساطي»، بمعنى التدمير الكامل لمكان ما ليستوي بعدها بالأرض، الذي قام فيه الطيران الروسي باستهداف مدينة إسلامية عريقة. في ذلك الوقت، لم نتخيل أن عام 2017 سوف يشهد جريمة ضد الإنسانية وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بـ«المذابح الجماعية» لشعب الروهينغا في بورما (ميانمار). تعرضت مدينة حلب للدمار على يد قوة استخدمت آلتها العسكرية الجبارة ضد شعب أعزل بات على حافة منحدر سحيق بعد سنوات من الجوع والصراعات المسلحة.

في الحالة الروهينغية، كان من دبّر ونفّذ المذابح الجماعية هي الحكومة والجيش المنوط بهما رعاية وحماية هؤلاء «الضحايا». والأسوأ من ذلك هو أن الحكومة المسؤولة عن إدارة شؤون هذا الشعب، ولو نظرياً، ترأسها امرأة، وصفت يوماً ما بأنها ملاك الرحمة، وفازت بجائزة نوبل للسلام.

في الحقيقة، لن يشكل استخدام روسيا قوتها الهائلة في سحق عدو حقيقي أو وهمي مفاجأة كبيرة للملمين بالتاريخ. فلم يمر وقت طويل على سحق روسيا للشيشان وتحويلها إلى كومة من التراب، وقتل ربع سكانها وتشريد الربع الآخر بعد أن أجبروا على الهروب بعيداً عن ديارهم.

كان من المفترض أن بورما جارة مسالمة للبوذيين، وكان من المفترض أيضاً أن تكون بمثابة مدرسة للسلم والتعايش في أرقى صورها. في عام 1977 أجريت مقابلة مع رجل بورما القوي الجنرال ني وين، الذي طالما سمعناه يتغنى بالتعاليم البوذية وبقدرتها على إنقاذ العالم من العنف والحرب. في الحقيقة، بدأ استيلاء الجنرال نفسه على السلطة بانقلاب عسكري استثناء في ضوء تاريخ طويل كانت فيه بورما، المستعمرة البريطانية السابقة، محصنة من هذا النمط من العنف الذي شهده هذا الجزء من العالم في شبه القارة الهندية الباكستانية وفي الهند الصينية المجاورة. ولطلاب تاريخ ما بعد الاستعمار أقول إن بورما كان يمكن لها أن تصبح نموذجاً للتطور السلمي. ففي عهد رئيس الوزراء تاكين نو، تمكنت بورما من تبوء منزلة خاصة في حركة عدم الانحياز. فقد كان تاكين نو نفسه في مصاف العظماء مثل الهندي نهرو، والإندونيسي سوكارنو، الذين شكلوا أضلاع ما عرف بـ«مثلث الحكمة» في العالم الثالث. ولذلك، فعندما اقترح تاكين اسم أحد وزرائه وهو يو ثانت أميناً عاماً للأمم المتحدة، هلل الجميع لاختياره. وفي أكثر سنوات الحرب الباردة فتوراً، استطاع يو ثانت قيادة الأمم المتحدة لعشر سنوات، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت.

وقد أجريت مقابلة شخصية مع يو ثانت عام 1968 عندما كان يترأس مؤتمراً دولياً بمناسبة الذكرى العشرين لـ«الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». وكان هدفه توسيع نطاق الإعلان الأصلي ليشمل عدداً أكبر من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

والنتيجة كانت إعلان طهران الشهير الذي جاء بصفته ثمرة لدبلوماسية يو ثانت التي لا تمل، ونياته الحسنة التي ستظل البرج العالي للطموحات «التقدمية».

ولذلك، كيف لبلاد أنجبت يو نو ويو ثانت، وأنجبت أيضاً أعلى نسبة كهنة مقارنة بعدد سكانها أن تصبح مسرحاً لأكبر مذبحة بشرية شهدها العالم بعد مذابح رواندا في القرن الأخير؟ والأسوأ هو كيف يمكن لرجل دين بوذي أن يصبح قائداً للمشجعين، وفي العديد من الحالات شريكاً في تشكيل الميليشيات التي تدربت على قتل المدنيين وتدمير القرى وتسويتها بالأرض؟

الدرس الأول الذي نتعلمه من المذابح الجماعية التي ارتكبت ضد الروهينغا هو أن الإنسان يجب ألا يستبعد إمكانية وجود الشر الإنساني، ولا أن يعتبره محض خيال. وهذا ما عبر عنه الشاعر الفارسي ناصر خورسو منذ نحو ألف عام عندما قال إنه لو أردنا مواجهة الشر علينا أن نعترف بوجوده أولاً. فالشر قد يتخذ العديد من الأشكال، فقد يضع الشر قناعاً حكيماً روحياً مثل يو نو، أو قناع رجل سلام رحيم مثل يو ثانت، أو جندي «البوذية الاشتراكية» ني وين.

ولتبرير تلك المذابح الجماعية، فقد اتهمت الدعاية الميانمارية الروهينغا بارتكاب العديد من الأخطاء، أبرزها محاربة الغزاة اليابانيين لبورما خلال الحرب العالمية الثانية، ولاموهم على المحافظة على لغتهم الخاصة، وهي واحدة من 22 لغة قومية لسكان بورما الأصليين الباقين على قيد الحياة. لكن الجريمة الأكبر للروهينغا هي أن غالبيتهم مسلمون.

في حقيقة الأمر، كان التعاطف فقط هو كل ما حصل عليه شعب الروهينغا من الدول ذات الأغلبية المسلمة التي يبلغ عددها 57 دولة، ولم تر دولة واحدة من تلك الدول ما يستحق قطع علاقاتها مع ميانمار. واكتفت بعض تلك الدول بإرسال هدايا تذكارية للاجئي الروهينغا الذين يموتون من الجوع والمرض كل يوم في بنغلاديش المجاورة. كانت الجمهورية الإسلامية في إيران أقل اهتماماً بمأساة الروهينغا، فكل ما أرسلته كان شاحنة تحمل معونات إنسانية لا تتعدى تكلفتها مئات الآلاف من الدولارات التي أرسلتها إلى بنغلاديش التي تستضيف نصف مليون لاجئ أجبروا على الفرار من بورما، وهو أقل بكثير مما يتقاضاه حسن نصر الله من إيران بصفة شهرية. لم يذهب أي من فطاحل النظام الإيراني ولم تكلف الحكومة الإيرانية نفسها عناء إرسال أي من آلاف الملالي الذين زادت أوزانهم من رواتب الحكومة، ليذرف دموع التماسيح ويلوح بعلم بلاده هناك.

لم يكن تحرك المجتمع الدولي أفضل من غيره، فقد كان بإمكان مجلس الأمن الدولي وجمعيته العمومية عقد اجتماع طارئ لإدانة تحرك ترمب بشأن القدس، وهي خطوة لن يكون لها تأثير يذكر على الأرض، لكن الأدهى والأمر أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء وضع مذابح الروهينغا على جدول أعمالهم. تمكن مجلس الأمن من إعلان فرض عقوبات جماعية على «شاب كوريا الشمالية الصاروخي»، بيد أن المجلس عاد بقدمه للوراء عندما تعلق الأمر باتخاذ قرار ذي معنى بشأن الروهينغا.

نعم فقد كان عام 2017 عام الروهينغا، وعام العار لما نسميه المجتمع الدولي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام الروهينغا عام الروهينغا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon