توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصحافة الإيرانية: الحصان المعصوب العينين

  مصر اليوم -

الصحافة الإيرانية الحصان المعصوب العينين

أمير طاهري


لا بد لأي شخص من المهتمين بالصحافة أن يُعجب خلال نزهته في أحد شوارع طهران بالكثير من أكشاك بيع الجرائد ومختلف المطبوعات. وتعتبر طهران واحدة من آخر العواصم الكبرى التي لا تزال تحتفظ بأكشاك بيع الجرائد كجزء من المشهد المدني هناك. واستنادا إلى أن أيا من الصحف يجري حظره في يوم من الأيام، فهناك ما لا يقل عن 15 صحيفة يومية تُباع في أكشاك بيع الجرائد بطهران، وهو عدد كبير فعلا بأي مقاييس. (كانت طهران تتفاخر بإصدار أكثر من 20 صحيفة يومية في الخمسينات ولكنها تقلصت إلى 8 فقط خلال أيام الشاه الأخيرة).
مع ذلك، لا يعني عدد الصحف اليومية الكبير في طهران أن هناك طرحا حقيقيا للكثير من الخيارات. حيث إن الصحافة في ظل الجمهورية الإسلامية مملوكة وخاضعة بالكامل للرقابة الصارمة من قبل الفصائل المتنافسة داخل المؤسسة بناء على أسس التحالف بين الأجهزة العسكرية - الأمنية وقطاع رجال الدين في شراكة تجمعهم بالشركات التجارية الكبرى.
أولى ميزات الصحف الإيرانية أنه في حين يجري إصدار تصاريح النشر باسم الملكية الفردية للأشخاص إلا أنه يمكنك دائما تتبع المسار إما إلى الدوائر الحكومية، بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي، أو إلى الكتل السياسية المساندة لواحد من «كبار اللاعبين».
والمثال على ذلك، يعتبر علي خامنئي «المرشد الأعلى» هو صاحب تصريح صحيفة «الجمهورية الإسلامية» اليومية في حين أنه يعين رئيس تحرير صحيفة «كيهان» اليومية كذلك. كما يمول حليفه السابق ومنافسه الحالي هاشمي رفسنجاني عددا من الصحف اليومية، وغالبا من خلال المصالح التجارية المرتبطة بعائلته. وأيا ما كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، فهو من يتحكم في عدد من الصحف الصادرة عن الحكومة.
تنفق الحكومة ما متوسطه 150 مليون دولار كل عام على دعم الصحافة، من خلال التقارير الصحافية مدفوعة الأجر، والإعلانات، والرسوم الجمركية المنخفضة، والنشرات المباشرة.
تمتلك الصحافة الإيرانية عددا كبيرا من الصحافيين المدربين تدريبا جيدا الذين، إذا سنحت لهم الفرصة، يمكنهم العمل وفق المعايير الصحافية الدولية. وكثير منهم من الشباب الصغير، ومن النساء أيضا بصورة متزايدة، والذين تخرجوا من معهد الدراسات الإعلامية الذي أسسته صحيفة «كيهان» في فترة الستينات في العاصمة طهران. إنهم يعلمون أساليب الصناعة فضلا عن أي مراسل في المجتمعات الحرة ولكنهم غير قادرين على إنتاج نوع العمل الذي يريدون نظرا «للخوف والرقابة».
وتنعكس تلك المشكلة من خلال قصة قصيرة كتبها ولي خليلي، وهو مراسل قسم الجرائم في صحيفة «طهران» اليومية، تدور حول تحقيق أجراه صحافي شاب حول حادثة اختفاء غامضة. وفي عدة مناسبات كان الصحافي الشاب يفكر في «ترك الأمر برمته» نظرا لعلمه أنه إذا وضع قدمه خارج منطقة «الخطوط الحمراء» فسوف يُفصل من عمله بكل سهولة، أو يُقتل، أو ما هو أسوأ، الإجبار على النفي. ومنذ اعتلى الملالي سدة الحكم في 1979. تعرض أكثر من 100 صحافي للإعدام أو القتل، وغيرهم قابعون في غياهب السجون. وفر المئات الآخرون إلى منفاهم. والآن، هناك عشرات الصحافيين في السجون بينما يُمنع الكثير منهم من العمل في مجال الإعلام. ويُطلق عليهم هناك مسمى «الأقلام المحرمة».
مثل أي شخص مغرم بالصحافة، فإن خليلي على استعداد للتخلص من صديقته المتبرمة، وتجاهل والدته المحتضرة، وإهمال رئيسه المتعجرف، والمخاطرة بحياته عن طريق مواجهة الشخصيات الخطيرة فقط لاستكمال تحقيقه الصحافي. كما أنه يتساءل كيف «التعامل مع تلك الرقابة المثيرة للسخط» ناهيك عن الرقابة الذاتية. نصحه صديقه بالتوقف والتخلي عن الأمر. ولكنه يتقابل بعد ذلك مع بولوري، وهو من محرري الجرائم المخضرمين في عصر ما قبل الثورة، والذي حثه على عدم التراجع عن كتابة «القصة الجيدة».
يتذكر بطل رواية خليلي عشرات الزملاء الذين فروا إلى الخارج للعمل في القنوات الإذاعية والتلفزيونية الناطقة باللغة الفارسية في بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والدول العربية لمناهضة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لكنه يعرف كذلك أن الكثير من الصحافيين لاقوا حتفهم وألقيت جثثهم على جوانب الطرقات خلال عهد الرئيس رفسنجاني ومحمد خاتمي.
كما أن احتمال النفي يحطم قلبه، فقد كتب يقول: «أريد أن أكون في جوف الوحش، أريد أن أبقى في طهران، أشتم رائحتها، وأشعر بها، وأعرف أوجاعها وآلامها، وأحزان سكانها». إن الصحيفة التي بلا مدينة ما هي إلا ظل للحقيقة والصحافي الذي بلا صحيفة ليس إلا شبحا هائما في الأجواء».
الطريقة الوحيدة لتجنب المخاطر تكمن في الابتعاد عن «القضايا الساخنة»، وخصوصا السياسية منها.
ذلك هو السبب وراء العدد الكبير من الصحف اليومية في طهران والتي تتعاطى مع القضايا الاقتصادية والتجارية والرياضية. ويخرج الصحافيون الإيرانيون بطبعات جيدة حينما يتعلق الأمر بالموضوعات الاقتصادية والرياضية. ويأتي عملهم متسقا مع المعايير العالية عند التعامل مع موضوعات مثل الكوارث البيئية. كما تتمتع الصحافة الإيرانية بنقاد للسينما والمسرح من المختصين والكتاب في الموضوعات الأدبية والثقافية.
ولكن الرقابة تعمل بطرق مختلفة برغم ذلك إحداها الحرمان من مصادر المعلومات الصحافية التي تنبني عليها القصة الإخبارية. وذلك يرجع إلى أن أجهزة الدولة والأجهزة شبه الحكومية تسيطر بالفعل على غالبية مظاهر الحياة الإيرانية كما أنهم يعدون المصادر الرئيسية لأي معلومات. فإذا ما قرروا إبقاء شيء ما خارج نطاق المناقشة العامة فإنهم غالبا ما ينجحون في ذلك.
والمثال على ذلك أنه من المثير للاهتمام عدم مناقشة القضية النووية الإيرانية بطريقة جادة قط، ولا حتى داخل المجلس الإسلامي أو البرلمان المصطنع. وتبرز تلك القضية من واقع أنها الاهتمام الاستراتيجي الأول للحكومة الإيرانية، غير أنه محظور على أي صحافي إيراني التطرق إليها أو معالجتها.
كما تعد إيران من كبار مصدري النفط على مستوى العالم. وبرغم ذلك، لا يعمل أي صحافي إيراني اليوم كمراسل نفطي حكومي تابع للنظام كما كان الحال مع علي أكبر خيرخاه وعلي باستاني في فترات ما قبل اندلاع الثورة الإسلامية.
تستحوذ المؤسسة العسكرية والأمنية على ما يقرب من ثلث الميزانية الوطنية بالبلاد. أيضا، وبرغم ذلك، يُحظر على الصحافة الإيرانية تدريب وتوظيف المراسلين العاملين على مثل تلك القضايا. وحتى مع الإفراج عن المعلومات، يكون من المستحيل التأكد منها نظرا لأن المسؤولين يعرفون جيدا كيف يغلقون أفواههم أو، حيثما أمكن، منح الرشاوى للصحافيين الأقل تدقيقا لاعتماد النسخ الرسمية فقط من المعلومات.
ثم تأتي مشكلة الرقابة اليومية عندما يقوم شخص ما من وزارة الإرشاد الإسلامي والثقافة بالاتصال بمحرري الصحف ليخبرهم «بالخطوط الحمراء» الواجب تجنبها في موضوعات ذلك اليوم.
ونظرا لأن القضايا ذات الأهمية الحقيقية لا يمكن التعامل معها بذات القدر من الجدية، يظل الشعب الإيراني تحت مستوى التغطية الإعلامية، إن جاز التعبير.
والشيء المؤسف في ذلك هو امتلاك إيران لما يكفي من الصحافيين الموهوبين، الذين إذا أتيح لهم قدر من الحرية، يمكنهم الخروج بصحافة ذات مستوى عالمي.
وبقدر الاهتمام بالمهارات الصحافية، على سبيل المثال، يعتبر محمد كوشأني، رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اليومية، هو من المحترفين الموهوبين في مجاله. ومع ذلك، فهو غارق في متاهة الخلافات الحزبية، وغالبا ما يُجبر على إعلاء مصالح حزبه فوق تقديم قصة صحافية أو إخبارية جيدة.
وعلى الطرف الآخر من الطيف، نجد حسين شريعتمداري، مدير تحرير صحيفة «كيهان»، وهو من المجادلين المحنكين الذين دائما ما يعكسون وجهات نظر «المرشد الأعلى».
مع ذلك، فإنه، أيضا، غالبا ما يجد نفسه منزلقا على قشرة الموز البلاغية تحت ضغوط واجبه ليتملق «قطعة الجبن الكبيرة». مثالا على ذلك، زعم شريعتمداري في مقالة افتتاحية كتبها مؤخرا أن الرسالة الصادرة عن علي خامنئي إلى «شباب أوروبا»، والتي تجوهلت بشدة، يقول: إنها كان لها «تأثير مزلزل على الغرب».
هناك بعض الساخرين الذين يفرون من دون محاسبة تذكر، ومن بينهم ايدين سيار - ساري وشاهرام شايدي، مع بعض الصحف اليومية القليلة، على غرار صحيفة «ماردوم - سالاري»، التي تتيح مساحة ما للرسوم الكاريكاتيرية اللاذعة. وبرغم ذلك، فإن إيران التي كانت قبل ثورتها تمتلك الكثير من المجلات الساخرة، نادرا ما تسمح بإصدار واحدة اليوم.
إن مقولة «لا تنشر ذلك»، ما هي إلا نمط من أنماط الرقابة المفروضة على الصحافة في إيران. والأسوأ منها هو نمط آخر يبدأ بعبارة «عليك نشر ذلك!».
من واقع تلك الفئة فإن الصحف غالبا ما تستخدم كأوراق للدعاية الآيديولوجية الخمينية، والشعارات المؤيدة لحركة حزب الله العالمية، وغيرها الموجهة للمعاداة الكلاسيكية للولايات المتحدة وللعرب ولإسرائيل، وأحلام اليقظة المستمرة حول عودة الإمام الغائب والتحول النهائي للإنسانية إلى ولاية الفقيه، أو الحكم تحت ملا واحد.
تذكرني الصحف الإيرانية بالعداء الحريص والمستعد جيدا للاستدارة حول محوره في مساحة ضيقة للغاية مثل الحصان معصوب العينين بدلا من مشاركة الآخرين في المجال أو المضمار الذي يمكن أن يبزغوا من خلاله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحافة الإيرانية الحصان المعصوب العينين الصحافة الإيرانية الحصان المعصوب العينين



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon