توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بوتين وروسيا والمعضلة الغربية

  مصر اليوم -

بوتين وروسيا والمعضلة الغربية

أمير طاهري

صورته على أغلفة المجلات الإخبارية الغربية في الوقت الذي تقدم فيه القنوات التلفزيونية الدولية تغطية خاصة حول مختلف الجوانب المتعلقة بحياته المهنية المتقلبة. وهو على أقل تقدير أبغض الشخصيات إلى الدوائر السياسية والفكرية الغربية، يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محل العديد من السير الذاتية المندفعة إلى حيز الطباعة مؤخرا.
والثيمة الرئيسية في هذا النوع الجديد، ودعونا نسميها (بوتينيانا)، هب أن ذلك الزعيم الروسي، الذي تساوره أحلامه الإمبراطورية، يمكن اعتباره وبصورة مثالية الأيقونة الأولى المعادية للغرب في وقتنا الراهن.
وبإلقاء نظرة متفحصة على الحملة المتصاعدة ضد الرئيس بوتين حاليا، ورغم كل شيء، يمكنها أن تكشف عن مواطن الضعف المثيرة للاستغراب في الخطاب المتداول حول هذه الشخصية. ولنبدأ أولا بالصور التي تظهر بوتين مرتديا نظارات شمسية من صنع مصمم أميركي شهير في صناعة ذلك النوع من النظارات بينما تأـي الملابس التي يرتديها من تصميم دار للأزياء الفرنسية.
تعرض مقاطع الفيديو الغربية في غالب الأمر بوتين وهو يركض، وهو طقس اعتيادي نموذجي غربي، حتى يظهر بوتين من خلاله صحته القوية، وهو كذلك من مجالات الهوس الغربية.
لا يبدو بوتين في صورة السلطان الشرقي فحسب كما يصوره الإعلام، بل ربما يذكر الناس بممثل هوليوود دان دوريا في واحد من أدوار رؤساء العصابات الكلاسيكية.
بوتين الغربي بطريق أخرى. إنه رئيس في نظام سياسي يعتبر نسخة من النموذج الأميركي ويحافظ على قبضته السلطوية بطريقة تماثل بأسلوب أقل أو أكثر ما يفعله معظم الزعماء الغربيين، مما يعني تلقي الإسناد من مجموعة من أساطين الأعمال، والإعلام البراق، والمسؤولين السياسيين التكنوقراط.
إن النمط الذي يُظهر به بوتين الإعجاب الشديد بذاته هو نمط غربي، حتى شارع ماديسون أفينيو. فهو يتألف من رؤية واضحة من خلال العديد من الصور التذكارية، وعرض لا نهاية له من العبارات الرنانة، والخطب المنمقة بعناية لتبدو في منتهى الذكاء غير أنها لا تنقل شيئا ذا أهمية.
لا يشبه بوتين الزعماء السوفيات في شيء من صفاتهم، دعنا نذكر ليونيد بريجنيف وناهيك عن جوزيف ستالين، ولا يمكن لأحدنا أن يخطئ حالة القيصر التي يتيه بها، سواء كان نيقولا الثاني أو إيفان الرابع.
غالبا ما يصف المعلقون الغربيون بوتين كلاعب الشطرنج للتأكيد على نزعته الشرقية. ومع ذلك، تصرف بوتين دائما وكأنه لاعب بوكر، يمكر في طريقه خلال أوقات التردد من قبل الخصوم في اللعبة الحالية. وحاليا، يعمل على استغلال الضعف الأميركي لتحسين موقفه في الداخل والخارج.
إن الشخصية التي يتكلفها بوتين تعمل ضمن النظام الرأسمالي غربي النمط؛ ففي العام الماضي، قدر الاستثمار الغربي في روسيا بما يقرب من 200 مليار دولار، وهو أعلى معدل مسجل حتى الآن. وفي ذات الوقت فإن الأموال الروسية المحفوظة في البنوك الغربية تقدر بحوالي تريليوني دولار، ومعظم تلك الأموال تمتلكها القلة الثرية الروسية.
في انجلترا، بدأت الرأسمالية مع القراصنة. وفي القارة الأوروبية، لعب البارونات اللصوص دورا مماثلا. وفي روسيا، نفذت القلة الغنية نفس الوظيفة. وجاءت النتيجة متماثلة. فالاقتصاد الروسي يعتمد بشدة على الاستثمار والتقنية والأسواق الغربية، حيث يتألف المصدر الرئيسي للإيرادات الروسية من صادرات الغاز والنفط إلى الغرب، والتي قدرت بحوالي 160 مليار دولار في عام 2013. حتى مع نجاح خطط بوتين في الاستيلاء على جزء من الأسواق الصينية، فلن تزيد قيمتها عن 40 مليار دولار.
الزائر إلى روسيا تصدمه العاطفة التي تشوب الكثير من الروسيين حيال الغرب والحلم، كما كانوا كذلك دائما، بفضاء أوروبي مشترك بين المحيط الأطلسي وجبال الأورال، وحتى مدينة فلاديفوستوك في كثير من الأحيان.
إن فكرة عزل روسيا، والتي تتمتع بشعبية حالية في المدن الغربية، من العسير تنفيذها على أرض الواقع بأية طريقة مجدية كانت. كيف يمكن لأي شخص عزل أكبر دولة في العالم ذات أكبر عدد من الجيران؟ إن روسيا تجاور كلا من الولايات المتحدة وإيران، ناهيك عن ألمانيا واليابان.
منذ أن نالت استقلالها في القرن الخامس عشر، لعبت روسيا دورا في كافة الأحداث الكبرى التي أثرت على القارة الأوروبية. وفي الوقت التي تحافظ فيه على هويتها المتميزة، كانت روسيا، من الناحية الثقافية، جزءا من الحضارة الأوروبية، ومساهما رئيسيا في الأدب، والموسيقى، والفنون، والعمارة، والسينما، والرقص الغربي.
ويبدو التوتر الحالي بين روسيا والغرب متجذرا في ثلاثة عناصر.
العنصر الأول يتمثل في انقسام العالم المسيحي الذي أدى إلى الفصل بين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية عن كنيسة روما في عام 1054 ميلادية. والعنصر الثاني يكمن في ظهور النظام الإمبراطوري في روسيا في الوقت الذي بدأت فيه بضعة أجزاء من أوروبا، التي خرجت لتوها من حطام الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بدأت في تشكيل سلسلة من الدول القومية. وأخيرا، وهو عنصر حديث للغاية من الخلاف جاء مع انهيار الإمبراطورية السوفياتية في عام 1991. شهدته القوى الغربية أنه كهزيمة للدولة الروسية بينما في حقيقة الأمر، وكدولة، كانت روسيا واحدة من ضحايا الإمبراطورية الشيوعية.
والفترة الفوضوية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي عززت من بعض المرارة ضد الديمقراطيات الغربية. بحلول عام 1992، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 50%. وفي عام 1995، أدى التخفيض الرسمي في قيمة العملة المقدم من قبل رئيس الوزراء يفجيني بريماكوف إلى إحداث تضخم هائل لم تشهده روسيا من قبل في تاريخها الطويل.
بنى بوتين خطابه الشخصي كمنقذ للأمة الروسية، رجل نجح في إعادة هيبة الدولة في مواجهة القلة الثرية المحلية والأجنبية، وفي كثير من الأحيان الغربية، والشركاء.
أثناء الحرب الباردة، تحولت المشاعر المعادية للشيوعية في الغالب إلى مشاعر معادية لروسيا. واليوم، كذلك، فإن المعارضة التي تواجه جوانب سياسة بوتين الخارجية في بعض الأحيان تتحول إلى رفض لروسيا كدولة.
وفي هذا الرأي، قام بوتين بوظيفته التاريخية، وبعض منها ضروري ومفيد في وقته، وتحرك مصيرها الحالي نحو الذروة من الناحية السياسية. وبصرف النظر عن معدلات الرضا الحالية، طبقا لمعظم استطلاعات الرأي، فإن نجم بوتين السياسي يجري على مسار منخفض. ومن الأهمية بمكان للديمقراطيات الغربية، وللعالم أجمع، ألا يجري دفع روسيا في ركن حتى تسهل معاقبة بوتين. إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه أوروبا هو كيفية تطوير العلاقات الجديدة مع روسيا، ويأخذ أحدنا في اعتباره الخصوصيات على طول خط الانتماءات مع الحضارة الأوروبية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين وروسيا والمعضلة الغربية بوتين وروسيا والمعضلة الغربية



GMT 09:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 09:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 09:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 09:06 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 09:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 09:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 08:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاستقلال اليتيم والنظام السقيم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon