صلاح منتصر
عندما بدأت دعوة 9 فبراير للتحرر من التدخين منذ نحو ربع قرن كانت الدنيا مختلفة . كان الملايين بل قل البلايين يدخنون فى كل مكان فى الدنيا .
فى الطائرات ودور السينما والمستشفيات والمطاعم والفنادق فلا قيود ولا موانع . وكان بيع السجائر مسموحا به فى كل مكان ولكل سن . وكان الحديث وقتها عن منع التدخين عبارة عن نصائح أدبية لا تستند إلى ثوابت علمية ، وربما كانت أهم النصائح وقتها » وفر فلوس التدخين تنفعك فى حاجة أحسن » !
بسرعة غريبة تتابعت اكتشافات الباحثين فى المعاهد ومراكز العلاج عن الآثار العديدة الخطيرة للتدخين وارتباطه أولا بأمراض القلب ثم بعد ذلك بأمراض السرطان المختلفة ثم ما هو أكثر، تأثير التدخين على الخصوبة وعلى الكبد والكلى وأمراض العيون والبشرة وعلى تقريبا كل جزء فى الجسم مما جعل أى طبيب يبدأ قبل فحص المريض بسؤاله : بتدخن ؟
ولم يحدث أن صدر بحث علمى يمنح التدخين فائدة واحدة ، فآلاف البحوث التى أجريت أدانت التدخين وإعتبرته أسوأ إختراع عرفته البشرية خاصة بعد أن تبين أن آثاره ليست مقصورة على المدخن بل يتجاوزها إلى غير المدخنين مما جعل الحكومات تتفق على الإجراءات المشددة لمنع التدخين فى جميع الأماكن العامة وبعض الدول خططت لتصبح بالكامل دولة ممنوعة التدخين من لحظة وصولك إليها .
ولم يعد الحديث عن التدخين كما كان نصائح أدبية مثل التى كانت مطبوعة على ظهر كراريسنا قديما ، بل أصبح العلم هو الذى يتكلم ويؤكد أخطار التدخين . وإذا لم تكن تصدق فاذهب إلى عيادة أى طبيب أمراض صدرية أو قلب أو سرطان وستسمع تأوهات الندم من كل مريض .
ولكن الإنسان بطبعه مغرور ولذلك مازالت تجارة التدخين تجارة رائجة ، وفى الوقت الذى يخرج فيه ملايين المدخنين من سوق التدخين إما بالإختيار أو بالاجبار لانتقالهم إلى رحمة الله ، يدخل السوق زبائن جدد استهوتهم الشيشة والسيجارة والسيجار لتتواصل حكاية الحياة ، وإن بقيت حقيقة لا يستطيع أن يهزمها أحد وهى أن التدخين يقصف العمر ويتلف الحياة !