بقلم : صلاح منتصر
حتى عاصفة كورونا التى فاجأت العالم فى ديسمبر 2019 كان الكساد الكبير أو الانهيار الكبير (بالإنجليزية Great Depression) الذى شهده العالم فى الثلاثينيات من القرن الماضى يعد أكبر أزمة تعرض لها الاقتصاد العالمى. وقد بدأت الأزمة يوم الخميس 24 أكتوبر 1929 عندما أصابت حملة الأسهم فى البورصة الأمريكية حالة من العصبية نتيجة المخاوف التى سيطرت عليهم، فقاموا بطرح ملايين الأسهم للبيع لكنها لم تجد مشتريا، مما أدى فجأة إلى إفلاس آلاف المساهمين وخسارة مؤشر «داو جونز» 89% من قيمته (معلومة: أنشئ مؤشر داو جونز عام 1896 وهو يضم أكبر 30 شركة صناعية أمريكية فى بورصة نيويورك تمثل حزمة يؤخذ وضع أسهمها فى البورصة دليلا على وضع البورصة. وجاء سوء الحظ فتعرضت الزراعة لموسم جفاف شديد خرب بيوت المزارعين. من الشركات التى تدخل فى هذه الحزمة شركات جنرال إليكتريك وبوينج وفايزر وكوكولا وشيفرون وماكدونالدز).
امتدت الأزمة سريعا داخل الولايات المتحدة إذ أعلنت عشرات البنوك والمصانع إغلاق أبوابها مما أدى إلى زيادة عدد العاطلين، وفى الوقت نفسه اضطر أصحاب البنوك لمواجهة الأزمة إلى تدبير سيولة غير موجودة فلجأوا إلى بنوك أوروبا فى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وسحبوا كميات كبيرة من الأموال أثرت بدورها على الوضع الاقتصادى فى أوروبا ونقلوا الأزمة إليها فأصبحت عالمية.
وكان من أهم نتائج الضعف المالى الذى عانت منه ألمانيا نتيجة الأزمة قوة الحزب النازى فيها ونجاحه فى الحصول على حصة كبيرة فى انتخابات البرلمان الألمانى (الرايخستاع) مما فتح الطريق أمام أدولف هتلر ليصبح مستشار ألمانيا وحاكمها الديكتاتورى الذى قاد البلاد إلى الحرب العالمية الثانية التى بدأت عام 1939 ودامت حتى منتصف 1945
اختلفت الآراء حول تفسير أسباب أزمة 1929 وكان من بين هذه التفسيرات اعتماد أمريكا على أوروبا فى تصريف منتجاتها، خاصة أن أمريكا خرجت قوية من الحرب العالمية الأولى بالمقارنة بأوروبا التى أقبلت على استيراد حاجاتها من أمريكا فلما استطاعت إعادة تشغيل مصانعها التى توقفت بسبب الحرب توقفت الواردات الأمريكية لأوروبا وتكدست البضائع فى أمريكا وتراكمت الديون وأفلس الكثير من المعامل والمصانع وتم تسريح آلاف العمال فانتشرت البطالة وضعفت القوة الشرائية، ودفعت مشاعر الخوف أصحاب الأسهم إلى طرح أسمهم للبيع فجأة مما تصادف كما سبق أن شهد يوم الخميس 24 أكتوبر 1929 الذى أطلق عليه «الخميس الأسود» طرح ملايين الأسهم التى لم تجد مشتريا فكان الانهيار الضخم الذى أدى إلى أزمة الكساد الكبير.
وقد فسر الكثيرون أسباب استمرار الأزمة بأن النظام الحر الذى تتبعه الولايات المتحدة يمنع تدخل الدولة لتنظيم تصرفات الأفراد اقتصاديا وإنما على العكس تركهم أحرارا يمارسون تصرفاتهم التى يختارونها ومنها قبض أيديهم عن دفع أى استثمارات أو تشغيل مشروعات خوفا من الخسارة. وقد حاولت الحكومة الأمريكية تعويض ذلك بزيادة الإنفاق فى مشروعات قومية على رأسها إنشاء شبكة الطرق الضخمة التى كان من نتائجها تحقيق نهضة أمريكا خاصة بعد انتهاء الأزمة.
لم تنته الأزمة سريعا فى الولايات المتحدة بل ظلت آثارها ممتدة طوال سنوات الثلاثينيات إلى أن أشعل هتلر الحرب العالمية الثانية وظلت أمريكا تقف موقف المتفرج على الدول الأوروبية وترفض معاونتها إلى أن فاجأت اليابان أمريكا بهجومها على قاعدة بيرل هاربور البحرية الأمريكية داخل أمريكا وإصابتها بخسائر كبيرة أعلنت أمريكا على أثرها دخول الحرب والسعى إلى صنع القنبلة الذرية التى ألقتها يوم 6 أغسطس 1945 على اليابان فى مدينة هيروشيما ثم يوم 9 أغسطس بعد ثلاثة أيام على مدينة نجازاكى مما اضطر اليابان إلى إعلان هزيمتها واستسلامها دون قيد أو شرط.
وبنهاية الحرب خرجت أوروبا مدمرة وأمريكا لم تصبها سوى الخسائر التى خسرتها فى بيرل هاربور مما جعل أمريكا أقوى وأغنى دولة يمكنها أن تساعد أوروبا فى إعادة تعمير نفسها وفى الوقت نفسه تخرج من عزلتها التى كانت تعيش خلفها قبل الحرب وتصبح الطرف الموجود فى مختلف بقاع العالم باعتبارها دولة لها مصالحها التى تخاف عليها خاصة بعد أن بدأ صراع الأيديولوجيتين الحرة الأمريكية والماركسية السوفيتية!.