بقلم : صلاح منتصر
القاهرة تعطى المقاومة شرعية القتال من لبنان
من بين 22 دولة عربية يعتبر لبنان، الذى تبلغ مساحته أكثر قليلا من عشرة آلاف كيلومتر مربع، الدولة العربية الوحيدة التى للمسيحيين فيها وجود فعال فى الحياة العامة، ويرأسها مسيحى تبعا لقاعدة ظلت إلى اليوم محترما العمل بها، تقضى بأن رئيس الدولة مسيحى مارونى، ورئيس الوزراء مسلم سنى، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعى. وحاليا يرأس لبنان الرئيس ميشال عون وهو الرئيس الثالث عشر منذ إعلان استقلال لبنان عن فرنسا فى 22 نوفمبر عام 1943. (ظل الفرنسيون فى لبنان حتى 31 ديسمبر 1946).
وخلال هذه السنوات شهد لبنان من الأحداث والأزمات والصدامات ما لم تشهده دولة عربية أخرى، رغم أنه ظل لعدة سنوات يمثل واحة الحرية فى الوطن العربى، حيث كان إصدار الصحف وإنشاء الأحزاب بلا قيود مما جعل فى لبنان أكبر عدد من الصحف تمثل تقريبا كل التيارات والاتجاهات المعتدلة واليسارية والمتطرفة. كما شهد لبنان مختلف ألوان الأحزاب من مسيحية وشيعية وسنية ودرزية وعلوية وذات توجه ناصرى وأحزاب قومية وأخرى يسارية وأرمنية وسريانية وكردية. وفى خلال ذلك كان اقتصاد لبنان يعتمد على الخدمات السياحية والمصرفية التى تشكل معا أكثر من 65% من مجموع الناتج المحلى، لذا عُرف لبنان باسم سويسرا الشرق لقوة وثبات مركزه المالى، إلا أنه نتيجة الأزمات والحروب التى شهدها لبنان اضطر عدد كبير من اللبنانيين للهجرة إلى مختلف دول العالم حتى أصبح عدد اللبنانيين المهاجرين ضعف المقيمين. ففى عام 2010 كان عدد المقيمين نحو أربعة ملايين والمهاجرون ثمانية ملايين.
وقد بدأت أولى أزمات لبنان عام 1958 عندما حاول كميل شمعون، الرئيس الثانى للبنان بعد الاستقلال، (بشارة الخورى كان رئيسها الأول)، تمديد ولايته التى تنتهى فى 22 سبتمبر 1958 إلا أنه وُوجه برفض قوى كثيرة، كان من بينها جمال عبدالناصر الذى كان له دور قوى فى لبنان.
وإلى درجة ما ظل لبنان مستقرا يمثل الحرية التى تفتقدها دول عربية كثيرة والواجهة التجارية النشطة التى تشتهر بمطاعمها وفنادقها وسهراتها. وأذكر حكاية شخصية ففى عام 1971 اشتريت سيارة بى إم دبليو مستعملة من الكويت، ولم تكن مصر فى ذلك الوقت تعرف هذا الموديل من السيارات مما جعلنى ألجأ إلى بيروت حيث كان لسيارات البى إم توكيل فى منطقة فرن الشباك. وكان السفر إلى بيروت رخيصا مما جعلنى أسافر كثيرا إليها سواء خصيصا لها أو فى طريق العودة من دول الخليج التى أزورها. وفى عام 1975 احتجت إلى قطع غيار ضرورية لسيارتى فسافرت خصيصا إلى بيروت وقابلت زميلى فى «الأهرام» الراحل محمد أحمد، مدير مكتب «الأهرام» فى بيروت، وجلسنا فى مقهى بشارع الحمراء لأفاجأ بحديث بين بعض الفلسطينيين الذين يجلسون إلى جوارنا يتفقون فيه على قتل أحد اللبنانيين، وجذبت محمد أحمد من كم جاكتته وأسرعنا بالخروج هربا من أن يكتشفوا أننا سمعنا خطتهم فيتخلصوا منا.
وفى تلك الليلة التى لا أنساها صحونا فى منتصف الليل على صوت انفجار ضخم فأسرعت فى اليوم التالى للسفر إلى القاهرة، وكان هذا من حظى، ففى مساء اليوم الذى غادرت فيه لبنان تم إغلاق مطار لبنان، وبدأ ما يُعرف بالحرب الأهلية اللبنانية. فى ذلك الوقت كانت منظمة التحرير الفلسطينية بعد هزيمة العرب فى 67 قد اتخذت من لبنان قاعدة لشن هجماتها فى داخل إسرائيل، فى الوقت الذى هاجموا فيه طائرة إسرائيلية فى مطار أثينا، فردت إسرائيل بقصف مطار بيروت وتدمير 13 طائرة مدنية تملكها الشركة اللبنانية.
وتأزم الموقف فى لبنان بين الجيش اللبنانى والمقاومة الفلسطينية فتدخل جمال عبدالناصر لتنظيم الوجود الفلسطينى المسلح فى لبنان، ودعا أطراف النزاع إلى اجتماع فى القاهرة، مثّل ياسر عرفات فيه طرف المقاومة، وأميل البستانى الرئيس اللبنانى شارل حلو، وانتهت المفاوضات إلى توقيع ما عُرف باتفاق القاهرة يوم 3 نوفمبر 69 ويقضى بحق المقاومة فى إقامة قواعد عسكرية فى الجنوب اللبنانى وممارسة العمل السياسى فى المخيمات الفلسطينية الموجودة فى لبنان، وبذلك أعطى الاتفاق الشرعية لوجود المقاومة الفلسطينية وعملها فى لبنان وازداد الموقف اشتعالا!