صلاح منتصر
والناس ماشية فى الشارع ، وكل واحد عامل لنفسه طريق وخطة ونظام ، فجأة هبطت عليهم كالمطر زخات مفكات إستوردها شرير برخص التراب من الصين
ورشها على الناس بأعداد مهولة تزيد عن تعدادهم بحيث أصبح فى يد كل منهم مفك . ولأنه مفك يبقى بيفك ، ومن يومها وكل واحد بيفك فى صواميله وصواميل اللى جنبه واللى وراه وقدامه . وكل شيء كان مربوط اتحل ورخرخ ..كل فكرة ومعتقد وأى حاجة مقدسة أو قيمة كله كله إتفك . وبما أن الإنسان هوه اللى بيدور عجلة الحياة ، فكل شيء حواليه إتفك . أصبح محدش بيحاسب حد أويحاسب نفسه لأن صواميل عقله وضميره فكوا . أصبحت هناك حالة إدمان من الجعجعة . انا أجعجع فأنا موجود . لأن اللى غاب عن ذهن الجميع إن المفك بيربط كمان ، لكن تقول إيه لقلة العلام.
هذه هى اللوحة البديعة الساخرة المؤلمة التى رسمتها الفنانة إسعاد يونس لحال ما وصلنا اليه فى مقالها بالمصرى اليوم عدد الجمعه 28 فبراير . وقد شبعت إسعاد من التمثيل، ودخلت فى» حالة زهق «تمارس فيها فن الرسم بالكلمات والكشف أسبوعيا عن لوحاتها الساخرة الأدبية التى تعبر عن مخزون ثقافى متراكم من القراءات والصور والتجارب والحكايات إلى جانب الموهبة الإلهية .
البلد بتفك فعلا من أول الطالب فى الجامعة إلى المسئول المرتعش فى الوزارة .انظر حولك تجد مفكات تعمل بكل همة ونشاط . تذكر يوما لم تواجه سيارة عكس الاتجاه تقتحمك وتريد أن » تلبس » فيك ،وسائقها يصرخ فى وجهك لأنك أنت الغلطان . تذكر مرة أنهيت مصلحة دون أن تتذلل وترجو وتلح . الغريب أن حديث المجتمع يتركز حول تدليل الذين يفكون ويهدمون . نحمى المتظاهرين ولا نشجع من يعمل ويجيد ويبدع . الإرهابى نحرسه بحقوق الإنسان ،والقتيل البرىء نكرمه بجنازة ينقلها التليفزيون . جرب أن ترشح شخصا ليكون وزيرا وسوف تجد عشرات الذين لا يعرفونه يفكونه حتة حتة . المفكات لا تفك فقط ولكنها تربط أيضا . ولكن من يسمع ومن يربط ؟! .
نقلاً عن "الأهرام"