صلاح منتصر
نظرت إلى صاحبى وقلت مستغربا : تصدق إن هذا السؤال لم أسمعه من شهور طويلة . تذكرت للحظات أن هذا السؤال كان يتكرر يوميا عدة مرات،
وأنه كان أول سؤال يبدأ به اللقاء إيه آخر نكتة ؟ وكان حظى فى ذلك الوقت وفيرا من النكت التى كانت السوق عامرة بها ، بل أكثر من ذلك كان هناك من يأتيك خصيصا أو يتصل بك هاتفيا ليقول لك : سمعت آخر نكتة ، والغريب وصف كل نكتة بأنها آخر نكتة رغم أنه فى كثير من الأحيان بعد أن تسمعها تتذكر أنها قديمة من أيام سنة تالته ثانوى ، ولكن السوق كانت نفسها مفتوحة .
ولا أعرف من الذى كان يؤلف هذه النكات لكننى أؤكد وقد قرأت نكت الدول المختلفة ـ أن ذوق المصرى فى النكتة وسرعة فهمه ورد فعله لها يجعله واحدا من أذكى الشعوب . فليس هناك غبى «يلقط» النكتة ، بل تعتبر النكتة المقياس الطبيعى للحداقة والفهم واللماحية . وقد كان من عادتى إنتقاء النكتة «اللسعة» القصيرة السريعة مثل الصاروخ لأستقبل بها القارىء فى مناسبة رأس السنة والأعياد ، فليس أجمل من أن تصافح شخصا بإبتسامة .
اليوم أصبحت النكتة بضاعة نادرة والموجود منها دمه ثقيل ، مع أن المصرى من صفاته أن يعيش مع النكتة ويبتكرها فى كل الأوقات، وفى الأزمات بالذات يداوى بها همومه ، فما الذى حدث ؟ واقعيا لاشىء يبعث على الضحك فقد أصبحت عادة أن نستقبل اليوم بخبر مشحون بالحزن والألم؟
كيف نبحث عن نكتة والشهداء يتساقطون و«إخواننا» يدبرون للبلد كمائن الشر والمتفجرات والأحزمة الناسفة ، وكل هذه المتفجرات الضخمة التى تضبط وأضعافها لم يتم ضبطه !
وصحوت من أفكارى التى سرقتنى لحظات خاطفة وقلت لصديقى : آخر نكتة سمعتها من تسعة شهور ونسيتها . قال بلهفة طب اسمع دى توأم إتقابلوا واحد منهم قال للتانى إنت فين ياحماده أمك إمبارح حمتنى مرتين .
ألم أقل لكم أنها موروثات سنة تالتة ثانوى؟!
نقلاً عن جريدة "الأهرام"