صلاح منتصر
منذ ألقيت أول وثانى قنبلتين ذريتين على اليابان، فى أغسطس 1945، لم يشهد العالم احتمالات استخدام الأسلحة النووية سوى مرة واحدة أعطيت فيها الأوامر إلى قواعد الأسلحة الذرية فى أمريكا والاتحاد السوفيتى بالاستعداد، انتظارا لبدء أول حرب نووية يشهدها العالم، ومن حسن الحظ أن العقل تغلب وأمكن تفادى الكارثة.
كان ذلك عام 1962، عندما كشفت طائرات الاستطلاع الأمريكية أن الاتحاد السوفيتى بدأ فى إقامة قاعدة لصواريخه فى كوبا، التى كان فيديل كاسترو (من مواليد 1917 وبدأ حياته محاميا) قد نجح فى قيادة حركة نضالية حررت كوبا من حكم ديكتاتورى يقوده الجنرال باتيستا الذى تؤيده أمريكا، وفى المقابل قام الاتحاد السوفيتى بدعم كاسترو وتقديم المساعدات لبلاده حتى أصبحت أول دولة شيوعية فى أمريكا اللاتينية وعلى بعد بضعة كيلومترات من أمريكا.
وقد حاولت أمريكا التخلص من كاسترو بمساندة المعارضة الكوبية فى غزو جرى فى إبريل 1960، إلا أنه انتهى بفضيحة مدوية للمخابرات الأمريكية التى رتبت الغزو الفاشل. وهكذا فقد تصور الاتحاد السوفيتى أنه يستطيع التقدم خطوة أبعد فى كوبا ويقيم فيها قاعدة صواريخ نووية تجعل القارة الأمريكية فى قبضة موسكو بعد أن منحت الجغرافيا أمريكا حماية طبيعية جعلتها بعيدة إلى حد كبير عن خصمها السوفيتى.
فى يوم 14 أكتوبر 1962 تأكد للولايات المتحدة أن قاعدة موسكو فى كوبا قد وصلتها الصواريخ حاملة الرؤوس النووية وأصبحت مستعدة للانطلاق. وبعد اجتماعات على أعلى مستوى فى واشنطن أعلن الرئيس الأمريكى جون كنيدى، يوم 22 أكتوبر 62، فرض حصار بحرى على كوبا يمتنع على أى سفينة اختراقه. وفى نفس اليوم أعلن كنيدى قرارين خطيرين: الأول صدور أوامره إلى قواعد الصواريخ الأمريكية بالاستعداد لدخول أول حرب نووية، والقرار الثانى مطالبة الاتحاد السوفيتى بفك القاعدة التى أقامها فى كوبا فوراً.
وقد اختلف مستشارو كنيدى، فقد كان من رأى بعضهم مهاجمة موسكو بلا تردد، لكن كنيدى اختار نداء السلام والتفاوض حتى أمكن بعد أسبوع كامل، عاشه العالم على أعصابه، أن ينزع فتيل الأزمة والصواريخ المستعدة للانطلاق.
وانتهت الأزمة بحل يرضى الطرفين، فقد وافقت موسكو على فك القاعدة التى أقامتها فى كوبا، وفى الوقت نفسه وافقت واشنطن على عدم الاعتداء على كوبا رغم أنها دولة شيوعية، وبالفعل ظلت شيوعية وعلاقاتها الدبلوماسية مقطوعة مع أمريكا إلى أن أعلن الرئيس باراك أوباما مؤخراً إنهاء هذه القطيعة بين البلدين، وقام فى مارس 2016 بأول زيارة يقوم بها رئيس أمريكى إلى كوبا منذ 88 سنة.
لقد انتهت بسلام الأزمة النووية التى واجهها العالم فى أكتوبر 1962، إلا أنها فى جانب آخر كشفت للقوتين الأعظم (أمريكا والاتحاد السوفيتى) خطورة انتشار الأسلحة النووية واستخدامها، بعد أن أصبحت تملكها بعض الدول، ويمكن أن تتسرب إلى أخرى مما يقتضى حماية العالم من الأخطار الكارثية التى يمكن أن تحدث بسبب هذا السلاح الرهيب.
وكان الأكثر قلقاً الدول الكثيرة التى لا تملك هذا السلاح النووى ومحاولتها امتلاكه، وكان من أهم ما توصلت إليه الجهود صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أول دور انعقاد لها فى 24 يناير 1964 إنشاء لجنة الأمم المتحدة للطاقة الذرية. وهكذا فإن المواجهة النووية بين القوتين أرشدتهما إلى ضرورة حماية العالم من السلاح النووى... وللحديث بقية.