صلاح منتصر
فى يوليو عام ١٩٧٩ قرر الرئيس السادات إعادة بناء الدولة فى ضوء نتائج حرب أكتوبر واتفاق السلام مع إسرائيل وإقامة ديمقراطية تقوم على الأحزاب وإنشاء مجلس الشورى واعتبار الصحافة سلطة رابعة على أن ينص الدستور على ذلك.
احتاج الأمر إلى تعديلات دستورية يقرها البرلمان ثم يستفتى الشعب عليها ومن ثم تم ترتيب تقدم أكثر من ثلث أعضاء المجلس بطلب التعديلات والتى برز فجأة معها اقتراح تقدمت به النائبة نوال عامر والنائبة فايدة كامل بخصوص مدة رئيس الجمهورية. وكانت المادة الموجودة فى دستور عام 1971 تقول «مدة رئيس الجمهورية ست سنوات قابلة للتجديد لمدة أخرى». ولما كان الرئيس السادات بهذا النص لا يستطيع أن يتولى سوى مدتين فقد كان معنى ذلك عدم تمكنه من ترشيح نفسه فى عام ٨٢ ومن ثم جاء التعديل الذى أطلق عليه «تعديل الهوانم» نسبة إلى أن مقدميه من النساء بتغيير كلمة واحدة فى المادة وهى كلمة «مدة» وجعلها «مدد» بحيث تصبح المادة: مدة رئيس الحمهورية ست سنوات قابلة للتجديد «لمدد» أخرى. ومن المفارقات أن الرئيس السادات، رحمه الله، لم يستفد يوما واحدا من هذا التعديل وإنما الذى استفاد منه خليفته حسنى مبارك الذى حكم خمس ولايات بلغت ٣٠ سنة وكان يستعد لترشيح نفسه للولاية السادسة لولا ثورة يناير ٢٠١١!
يحكى الدكتور محمد عبداللاه، رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق وصاحب الخبرة الطويلة فى العمل السياسى من خلال عضويته عدة دورات فى مجلس الشعب والمناصب التى شغلها فى المجلس وفى الحزب الوطنى وكان شاهدا على كثير من الأحداث التى عاصرها وتميز خلالها بعدم الانجراف فى موجات النفاق والمنفعة التى تغلبت على كثيرين.
يقول دكتور عبداللاه إن التعديلات كانت تستهدف قيام الأحزاب، وهى خطوة تعد ثورية بعد ١٨ سنة ألغى فيها عبدالناصر جميع الأحزاب التى كانت موجودة قبل ثورة يوليو ٥٢ وقصر العمل السياسى على تنظيم واحد أنشأه، بدأ بهيئة التحرير ثم تغير إلى الاتحاد القومى، فالاتحاد الاشتراكى.
يحكى عبداللاه: فى اللجنة البرلمانية التى كالعادة تدرس وتعد ما يتم عرضه بعد ذلك على المجلس كله، كان الأستاذ فكرى مكرم عبيد يرأس اللجنة التى تناقش التعديلات، وفجأة وقف النائب عبدالبارى سليمان، وكان نائبا عن دائرة الرمل فى الإسكندرية قائلا إنه يقترح أن يضاف إلى التعديلات المقدمة تعديل المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية «مصدر رئيسى للتشريع» وجعلها: «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، وما إن نطق بالاقتراح حتى صفق جميع أعضاء اللجنة بالإجماع وبقوة، لدرجة أن رئيس اللجنة فكرى مكرم عبيد ولحساسية أنه مسيحى لم يستطع التعليق سوى بعبارة «على بركة الله».
وفوجئ عبداللاه بالمشهد فطلب تأجيل الاقتراح إلى أن تجرى دراسة تحدد مدى تأثير تطبيق التعديل على التشريعات القائمة إلا أنه لم يجد من يشاركه سوى عضو واحد طلب دراسة تاثير هذا التعديل إذا تم على القوانين القائمة، وجاء الرد من الدكتور صوفى أبوطالب، رئيس مجلس الشعب، الذى كان يحضر اجتماع اللجنة كعضو، ولكن بالطبع له مقامه. فقد قال إن التعديل لن يؤثر على ما هو قائم من تشريعات، لكنه سيراعى بالضرورة الالتزام به فى أى تشريع جديد، حيث إن المادة ستكون حاكمة لما يصدر من تشريعات.
وتكرر تصفيق الحاضرين لكلمة الدكتور صوفى، وفى ثوان قليلة تحول المطروح من تعديل هدفه الأحزاب والشورى والديمقراطية إلى تعديل أساسه جعل الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. وصدرت الصحف فى اليوم التالى حاملة موضوعا واحدا هو تعديل الشريعة الإسلامية الذى أصبح العنوان الذى جرى به ترويج التعديلات التى وافق عليها مجلس الشعب تقريبا بالإجماع وعندما طرحت للاستفتاء الشعبى فى ٢٢ مايو ١٩٨٠جاءت النتيجة بحصولها على ٩٨.٨٦٪.
ولم يستطع الدكتور عبداللاه أن يحدد بعد ٣٥ سنة مضت ما إذا كان الاقتراح الذى قدمه النائب عبدالبارى سليمان متفقا عليه لأنه لو كان الأمر كذلك فقد كان ولابد أن يعرف بذلك، فى الوقت نفسه لا يستطيع الدكتور عبداللاه تبرئة الموضوع من الإعداد لأن الذى تصدى للرد على ما يثيره الدكتور صوفى أبوطالب رئيس المجلس.
أما عن النائب عبدالبارى فقد كان من الذين سافروا مع الرئيس السادات فى زيارته التاريخية إلى القدس. ويبدو أن الإسلاميين اعتبروها نقطة ضعف وضغطوا عليه لاستخدامه حتى تمكنوا من ذلك فى الاقتراح الذى تقدم به لتعديل الدستور ، وصفق له الحاضرون، وقال فكرى مكرم عبيد وهو يسمعه على بركة الله، ودافع عنه صوفى أبوطالب واتخذ بعد ذلك عنوانا للتعديل حتى يخفى تعديل فتح مدد رئيس الجمهورية، واغتيل الرئيس السادات قبل أن يكمل مدته الثانية!