توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من معارك الصحافة والديمقراطية

  مصر اليوم -

من معارك الصحافة والديمقراطية

صلاح منتصر


المعركة التى أتحدث عنها جرت من 61 سنة وبالتحديد بين أغسطس وسبتمبر 1953 بعد نحو سنة من ثورة يوليو التى كانت قد ألغت الأحزاب واتجهت إلى توحيد الشعب فى تنظيم سياسى واحد. وقد أيد الأستاذ محمد التابعى هذا الاتجاه وكتب مقالاً فى آخر ساعة يؤيده، فرد عليه الأستاذ مصطفى أمين فى العدد التالى من آخر ساعة بمقال يعدد فيه مساوئ إلغاء الأحزاب، ولكن التابعى لم يجامل تلميذه مصطفى أمين. كان- وهو خريج كلية الحقوق- كالمحامى الذى أراد أن يفند أمام محكمة الرأى العام كل حجج الاتهام، ولذلك جاء رده على مصطفى أمين طويلاً على غير العادة، رغم أنه كتبه من رأس البر، حيث كان يقضى إجازته. وقد نشرت فى الأسبوع الماضى جزءاً من مرافعته- أقصد مقاله- الذى جعل له عنوان: وكان فى مصر أحزاب ونظام تعدد الأحزاب، وكان يحكمها مع ذلك طاغية فاجر (فى إشارة إلى الملك فاروق). وأكمل اليوم بقية المقال الذى ربما يبدو لمن يقرأه أن كاتبه انتهى مؤخراً من كتابته وكأنه يتحدث عن الأزمة التى نواجهها حالياً أمام نحو مائة حزب اسماً على الورق وغير قادرة على أن يكون لها مكان فى الشارع!

يقول الأستاذ التابعى: إن رأيى (بإلغاء الأحزاب) ليس ابن اليوم ولا هو وليد الثورة فى شهر يوليو، بل لقد سبق أن ناديت وكتبت عنه منذ سنوات وأذكر من بين ما كتبت أننى قلت ما معناه: ليت مصر تستطيع أن تجد رجلاً من طراز أتاتورك يحكمها حكماً عادلاً نظيفاً لمدة عشر سنوات ولو تدفع له راتبا سنوياً مليون جنيه، تدفعها وهى الرابحة فى جميع الأحوال.

وبعد.. فإن العبرة بالمعانى لا بالألفاظ، وإذا كانت عبارة إلغاء الأحزاب تصدم حساسية أو إيمان زملائى الأفاضل بالنظريات، فإنى أتلاعب إذن بالألفاظ لا بالمعنى وأعدل عن إلغاء الأحزاب وأقول «ادمجوا الأحزاب جميعها فى حزب واحد أو برنامج واحد يستغرق تنفيذه عشر سنوات على الأقل. أما عودة الأحزاب بعد عام أو عامين فإنها ستكون مأساة أو مهزلة لأننا سنعود سيرتنا الأولى. سيرة التناحر والتزاحم على السلطة ومقاعد الحكم.

ويستشهد الأستاذ التابعى بواقعة جرت فى مجلس العموم أثناء الحرب العالمية الثانية وكان ونستون تشرشل رئيسا للوزارة وتقدمت حكومته بمشروع خاص برواتب المدرسات المتزوجات، وهو مشروع ليست له أهمية ولا يتعلق بسير الحرب ومشكلاتها. وقد رفض مجلس العموم بالإجماع المشروع، ولكن فى الجلسة التالية حضر تشرشل ووقف يعلن أن الحكومة تعتبر موضوع هذا المشروع مسألة ثقة أو عدم ثقة، وإذا أصر المجلس على رفض المشروع ستستقيل الحكومة. وفغر أعضاء المجلس أفواههم دهشة وساد السكون لحظة. ثم أعيد المشروع إلى المجلس الذى كان رفضه فى اليوم السابق فوافق عليه بالإجماع، وبلع رفضه له قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة. وعندما ثار بعض أعضاء الجناح الأيسر فى حزب العمال على ديكتاتورية تشرشل تولى مستر بيفن الرد عليهم وكان مما قاله لهم: إنه لا وجود لحرية الفرد أو كرامته ساعة الشدة والأزمة. وإن المصلحة العليا تفرض علينا أن نصطف صفا واحدا وراء إرادة موحدة ينفذها رجل واحد وهو تشرشل الذى اخترناه.

وينهى الأستاذ التابعى مقاله المنشور من 61 سنة قائلا: مصلحة الشعوب تتطلب إذن فى ساعة الشدة والأزمات إرادة واحدة موحدة، لا أحزابا عدة تتنافس وتتطاحن. ومصر اليوم تجتاز مرحلة عصيبة. فى الخارج عدو عنيد صلب المراس، وفى الداخل تركة مثقلة بأوزار الماضى وفساده. فلا تحدثونا إذن عن الأحزاب وعودة الأحزاب. وإذا لزم الأمر فإننى أرضى بالاستفتاء العام، فاسألوا الفلاح فى الحقل، والصانع والعامل والموظف ورجل الشارع: هل يريدون عودة الأحزاب؟ وسوف تسمعون منهم: كلا. أعلنها وأنا أعرف ماذا أقول.

كانت المعركة الصحفية بين الأستاذين الكبيرين محمد التابعى ومصطفى أمين قد امتدت أربعة أسابيع كتب كل منهما مقالين، وكانت المبارزة تبدو بينهما بلا نهاية، إلا أن الأستاذ محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «آخر ساعة» رأى التدخل ملتقطاً الاقتراح الذى أعلن الأستاذ التابعى رضاه به.. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من معارك الصحافة والديمقراطية من معارك الصحافة والديمقراطية



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon