كريمة كمال
لا أتصور حجم التفاهة التى تغرق مواقع التواصل الاجتماعى والتى لا تهتم سوى بقصص النميمة حول علاقات زواج وطلاق الفنانين وعلاقاتهم العاطفية وأسباب طلاق فلانة وفلان وظهور فلانة بعد طلاقها وظهور فلانة بمظهر جرىء وتحويل كل هذه القصص إلى ألغاز على من يقرأ أن يفكها أو يتوصل لها بالدخول على التفاصيل، وكأننا بتنا مجتمعًا لا يعانى من مشاكل اجتماعية عويصة ومشاكل اقتصادية صعبة تتسبب فى مآسٍ كبيرة كل يوم.. نحن حقًّا نعانى من الكثير مما يجب علينا أن نناقشه وأن نواجهه لنعرف كيف نحله وكيف نتعامل معه.. نحن مجتمع يتحرك بسرعة ويتغير بسرعة أكبر من قدرته على التعامل مع هذا التغيير وهذا التحرك، ولذلك فنحن نواجه الكثير جدًّا من المشاكل التى يجب علينا أن نقف لفحصها ودراستها ليمكننا التعامل معها.
شاركت فى الأسبوعين الماضيين فى ندوتين نظمتهما مؤسسة مركز قضايا المرأة المصرية الأولى عن جرائم الابتزاز الإلكترونى ضد المرأة والأخرى عن جرائم العنف ضد المرأة وفيها وقفت إحدى المحاميات المشاركات فى المؤتمر لتحدثنا عما شاهدته وهى فى طريقها إلى المؤتمر، حيث كانت توشك أن تستقل مترو الأنفاق عندما ألقت إحداهن بنفسها أمام القطار لتلقى مصرعها.. ما الذى يدفع امرأة لكى تفعل بنفسها هذا؟ ما الذى كانت تعانى منه حتى لم تجد أمامها أى طريق سوى أن تتخلص من حياتها؟! والغريب أننى فى الليلة السابقة كنت قد تلقيت مكالمة من امرأة شابة لا تجمعنى بها علاقة وطيدة بل تعرفت عليها تليفونيًّا من خلال مهنتها حيث إنها تعمل فى التسويق العقارى لكننى فوجئت بها تتصل بى فيما بعد الواحدة صباحًا وهى تعتذر لكنها تبحث عن مكان تبيت وتقيم به هى وأبناؤها الثلاثة بعد طلاقها من زوجها.. قصتان تلخصان حال المرأة فى المجتمع المصرى فهل هى صدفة أم تكثيف لواقع صعب؟!.
ما أحوجنا حقًّا لمجتمع مدنى يعمل على هذه القضايا الشائكة! وما أحوجنا إلى أن تحتل هذه القضايا بؤرة اهتمامنا ومساحات كبيرة من مواقع التواصل الاجتماعى بدلًا من قصص النميمة التافهة التى لا تهم أحدًا والتى لا تفعل شيئًا سوى تسطيح العقول والتركيز على كل ما هو تافه.. من الأجدر أن تحتل هذه المساحات الدراسات الاجتماعية التى يجريها الباحثون فى مركز البحوث الاجتماعية والجنائية وغيره من مراكز البحوث والدراسات الاجتماعية.. نحن نشاهد الكثير من المآسى والمشاكل يوميًّا ونحن فى حاجة لدراسة كل هذه التحولات الاجتماعية لكى نصبح قادرين على التعامل معها بشكل صحيح.. لا أدرى لماذا كل هذا التركيز على التفاهة! هل المقصود هو الانتشار وفقط؟ هل المقصود هو الترويج لمثل هذه الصفحات التى تعتمد على الفضائح والنميمة وحدها؟.. هل فقدنا قدرتنا على مواجهة الواقع على حقيقته فأصبحنا نروج للتوافه من الأمور؟!.
يجب أن تكون هناك مقاطعة حقيقية لمثل هذه الصفحات التى تروج للنميمة والفضائح والتى تروج لاصطياد صورة لفنانة كبيرة فى السن للحديث عن كيف صار شكلها وكيف بات لا يمكن التعرف عليها دون الأخذ فى الاعتبار سخافة مثل هذا الطرح الذى يعتمد على أن يطعن إنسان فى السن فيتغير شكله ليصبح هذا الأمر محل حديث وترويج لصفحات سخيفة ومسيئة حقًّا.. بل البعض منها يعود للتفتيش فى علاقات خاصة لفنانين بعضهم فارق الحياة أصلًا بدلًا من الحديث عما قدموه من فن.. بل شاهدنا أخيرًا الهجوم على مذيعة وفنانة لمجرد أنها تقاوم التقدم فى السن وتعمل، وكأننا بتنا مجتمعًا مريضًا ينفس عن أمراضه بدلًا من أن يحاول أن يقاومها!.