بقلم - كريمة كمال
كتبت لى إحدى السيدات تقول: «حدث معى حرفيًا ما تناولته فى مقالك.. أنا سيدة فى السبعين من عمرى ولكنى أبدو أصغر سنًا، ذهبت إلى الساحل لأشرف على تجهيز شاليه نملكه لقضاء الصيف أنا وأولادى.. حين وصلت إلى الاستقبال فى أوتيل خمس نجوم نظرت إلىّ الموظفة وفى منتهى البرود قالت لى: (ممنوع إنتى بمفردك) فكنت فى حالة ذهول، خاصة أنى ضيف دائم على هذا الفندق، فأصررت على مقابلة المدير العام الذى اعتذر لى وتم الحجز، لكن بعد حرقة الدم ونظرات مريبة من الموظفة التى ظلت تطاردنى طوال الإقامة».
هذه ليست القصة الوحيدة التى وصلتنى بعد نشر مقالتى فى الأسبوع الماضى حول مشهد رفض إقامة فاتن فى الفنادق مع ابنتيها من مسلسل «فاتن أمل حربى»، فقد وصلتنى قصص كثيرة، منها أيضا القصة التى رواها لى رجل فاضل فى السابعة والسبعين من عمره، ذهب للإقامة فى أحد الفنادق الفاخرة فى الجونة بصحبة حفيدته، فرفض الفندق، مما اضطر الرجل إلى أن يرسل إلى ابنته لترسل له شهادة ميلادها وشهادة ميلاد الحفيدة ليثبت العلاقة.
هل تبدو هذه القصص طبيعية فى مجتمع منفتح وطبيعى أم أنها تثبت أننا نعيش فى مجتمع يمتلئ بالمطوعين الذين يُنصّبون من أنفسهم رقباء على المجتمع ويطاردون كل من يرون هناك إمكانية أن يكونوا قد اخترقوا الدين أو التقاليد أو ما يرونه هم اختراقا للدين والتقاليد؟!.. هؤلاء الذين يلعبون دور المطوع فى مجتمعنا كثيرون، والأسوأ ان يكونوا يعملون فى منشآت سياحية، فيفرضون تقاليدهم وقناعاتهم على الناس.
المشكلة هنا أن هؤلاء يفترضون الشك أولًا فى أى إنسان، خاصة لو كان امرأة، فالمرأة محل شك فى سلوكها إلى أن تثبت العكس، ولهذا نجد مثل هذه الممارسات تحدث. وفى القصة التى أرسلتها لى هذه السيدة الفاضلة ندرك أن هذا المنع من النزول فى الفنادق، والذى قيل إنه يطبق على من هى أقل من الأربعين، غير حقيقى، فهذه سيدة فى السبعين، ولو كانت تبدو أصغر سنا، فإنها ستبدو على الأقل فى الخمسين.. فلماذا حدث هذا معها سوى أن المرأة تثير الشكوك حتى لامرأة مثلها متى كانت هذه المرأة تتبنى أفكارا متشددة وتُنصب من نفسها مطوعا لفرض الدين والتقاليد التى تريد أن تفرضها على المجتمع؟!.
مرة أخرى.. هل اختلف وضع المرأة فى المجتمع المصرى؟ هل وجود وزيرات وقاضيات يعنى أن المجتمع قد أصبح أكثر مرونة مع المرأة؟.
كتب أحدهم على «الفيسبوك» يقول: توقفوا عن المناداة بحقوق المرأة، فقد خربت البيوت جراء ذلك، تحدثوا عن المودة والرحمة.. هذا مجتمع لا يؤمن بحقوق المرأة بل يؤمن بأن يتحلى الرجل بالمودة والرحمة، وأن هذا هو الفيصل، ويرى أن المناداة بحقوق المرأة قد تتسبب فى خراب البيوت، حيث إن هذه الحقوق غير متفق عليها أو مقبولة من كثيرين فى هذا المجتمع.
هذا مجتمع مازال يسرى فيه رسائل كثيرة تشكك فى المرأة، وضد المرأة.. ومن يصدرون هذه الرسائل لهم مكانتهم الدينية المقدرة من قطاع كبير من الناس، ولهذا تتعرض المرأة لفقد حقوقها والتشكيك فيها، فهؤلاء يسيطرون على عقول الكثير من الناس فى المجتمع. ومن هنا تبقى المرأة تعانى الكثير، رغم ما يبدو من تغيير فى وضعها فى أعلى الهرم الاجتماعى.
تغيير القوانين مطلوب، خاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية، لكن تغيير الخطاب الذى يصدر للناس من الشيوخ والدعاة والمتشددين أكثر أهمية، لأنه يؤثر تأثيرًا خطيرًا على وضع المرأة فى المجتمع وما تتعرض له كل يوم من ضياع لحقوقها.