بقلم - كريمة كمال
أصبح عالم النت عالمًا موازيًا، تجد فيه كل شىء من أخبار النجوم، إلى النميمة، إلى وصفات الأكل.. وحتى بيع أى شىء وكل شىء.. لم يعد هناك ما يمكن حجبه أو إخفاؤه.. كل شىء يمكن أن تصل إليه بضغطة على البورد.
ما لفت نظرى أخيرًا بشكل خاص ليس تعليقات الناس التى تعكس لك حال الناس وآراءهم فيما يجرى، بل لفت نظرى حقا ما يمكن أن أسميه «أدب النت»، فقد بات هناك أدب على النت، فإذا ما فتحت الفيس بوك فسوف تجد صفحات تخصصت فى نشر القصص والحكايات التى تطلب منك أن تتابعها بعد أن تقف بك فى لحظة مصيرية فى الحكاية.. من المؤكد أن مستوى هذه الحكايات الأدبى ضعيف جدا، فهى تعمد إلى الإثارة وشد القارئ.. لكن اللافت أنها انتشرت بشكل كبير على الفيس بوك، ولا أدرى هل يتصور أصحابها أنهم يتمتعون بموهبة أدبية أم أنهم يدركون أن الأمر ليس أكثر من جذب القارئ لصفحتهم لمتابعتها والدخول عليها مرة تلو الأخرى لتتبع الحكاية.. بالطبع لا يمكن أن نسمى هذا أدبًا بأى معيار من المعايير.. لكن المشكلة الحقيقية أنه انتشر بشكل كبير، وأعتقد أنه أصبح وسيلة للتسلية السريعة، لكن المضمون الذى تحتويه هذه القصص أو الحكايات مضمون متردٍّ.. هذا غير أن مستوى الأسلوب والحبكة أسلوب رخيص جدًا، لا يهدف سوى لجذب القارئ.
أكثر ما يقلقنى فى انتشار هذا الأدب- وإن لم يكن أدبا بالمعنى المفهوم- هو قدرته على الوصول إلى الناس بكل سهولة وبساطة، بينما الأدب الحقيقى حبيس الأوراق والمكتبات ولا ينتشر بالقدر الكافى أو بالقدر المطلوب.. نحن لدينا أجيالٌ من المبدعين فى مجال الأدب، سواء القدماء أو الشباب الذين يطلون علينا فى كل عام بأعمالهم، ولقد أتيحت لى الفرصة أكثر من مرة لأشارك فى لجنة تحكيم الأعمال الأدبية، سواء للكبار أو الشباب فى مسابقة ساويرس الثقافية، وكنت أتعجب من كثرة الأعمال المقدمة.. والأهم من ذلك أنها تتضمن كثيرا من الأعمال المتميزة.. من هنا، فإننى أرى أنه يجب أن يكون هناك اهتمام حقيقى بهذا الأدب.. وأفضل اهتمام يمكن توفيره هو أن تصل هذه الأعمال إلى الناس، لا أن تظل حبيسة الأوراق والكتب والمكتبات.
أخطر ما يمكن أن يحدث أن تتربى أجيالٌ على أدب الإنترنت. والمشكلة هنا أن الأجيال المتعلمة بشكل جيد لن تقع فريسة لمثل هذا النوع من الأدب.. لكن الغالبية العظمى ممن لم تحظ بتعليم جيد يمكن أن يصبح هذا الأدب هو تسليتها، وبالتالى خلفيتها الاجتماعية والثقافية بما تحويه من آراء فى الحياة وفى الآخر وفى المجتمع.
هناك دور مهم يجب أن نلتفت إليه من انتشار العالم الموازى على حساب الثقافة والإبداع والفن.. فقد أصبح العالم المؤثر بحق هو عالم المواقع الاجتماعية التى تحولت إلى أداة مؤثرة فى كل شخص يمتلكها بين يديه ويتحرك بين هذه المواقع ليشكل ثقافته ومواقفه الاجتماعية، بينما الإبداع الحقيقى غائب تمامًا عن أن يكون مؤثرا وله وجود.
الأدب والفن هو انعكاس لروح المجتمع، ويجب أن يُترك حرًّا ليعبر عن هذا المجتمع، ثم يجب أن تتوافر له كل السبل لكى يصل إلى الناس، بحيث يشكل هويتهم وثقافتهم ووعيهم الحقيقى.. فهل نسعى نحن كدولة لذلك، أم أن هذا الاهتمام الثقافى لا يلقى الاهتمام الحقيقى الذى يجب أن يتوافر إذا ما كنا معنيين بتكوين أجيال تتفاعل مع واقعها بشكل صحيح؟