بقلم - كريمة كمال
تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن البساط الذى يسحب من تحت الفن المصرى لصالح الآخرين، والسبب فى ذلك هو الطريقة التى يدار بها الفن المصرى من احتكار إلى تقييد لكل ما يقدم من أعمال عن طريق اختزال الإنتاج الدرامى فى شركة واحدة فقط، إلى جانب تدخل المؤسسات فى العمل الفنى، سواء كانت جهات رقابية.
وهى متعددة، أو حتى نقابات مما يخنق الفن المصرى ويمنعه من التقدم والانتشار فى الوقت الذى تزيل فيه الدول الأخرى المجاورة كل القيود عن الفن، وتفتح له المجال ليتقدم وينتشر، هم يرفعون القيود ونحن نزيد من فرض القيود.. هم يستخدمون نجومنا، ونحن نمنع الفرص عن نجومنا ونجعلهم يجلسون بالسنوات فى بيوتهم بلا عمل، ونتفنن فى وضع القيود والضوابط على الفن من كل الاتجاهات وبكل المؤسسات، وها هى نقابة الإعلاميين تعلن أخيرًا عن الضوابط المشددة «كما وصفها المجلس» لمسلسلات رمضان.. ضوابط مطاطة يمكن أن تقيد أى عمل فنى.
مثلا تتضمن الضوابط الالتزام بالكود الأخلاقى والمعايير المهنية والآداب العامة واحترام عقل المشاهد والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع والتزام الشاشات بالمعايير المهنية والأخلاقية فيما يعرض عليها، وهى كلها ضوابط مطاطة يمكن أن تفهم بأكثر من طريقة يمكن أن تقيد أى عمل فنى بناء على وجهة نظر خاصة بالقائمين على المجلس.. أيضا تتضمن هذه الضوابط عدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة وفاحش القول والحوارات المتدنية والسوقية، والمشكلة هنا أن كل ذلك موجود بالفعل فى المجتمع، وقد يحتاج العمل الفنى لمثل هذه اللغة للتعبير عن واقع محدد.
أيضًا تتضمن الضوابط البعد عن إقحام الأعمال الدرامية بالشتائم والسباب والمشاهد الفجة، وهنا من يقرر أن هذه مشاهد فجة من عدمها؟، وبناء على أى معيار؟، وأيضا النص على عدم استخدام تعبيرات وألفاظ تحمل للمشاهد والمتلقى إيحاءات مسيئة تهبط بلغة الحوار والتأكيد على الصورة الإيجابية للمرأة والبعد عن الأعمال التى تشوه صورتها عمدًا، فماذا إذا كان العمل يتعرض لشخصية امرأة شريرة أو منحرفة؟، أيضًا تجنب مشاهد التدخين وتعاطى المخدرات، فماذا إذا ما كان مسلسل يتعرض لمشكلة الإدمان؟، هل يمكن ألا يتضمن مشاهد للتعاطى؟.
أيضا تنص هذه الضوابط على إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد الذى يقوم به أفراد المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة فى الدفاع عن الوطن، ورغم إدراكنا لهذا الدور إلا أن الدراما ليس دورها الدعاية، بل دورها أن تقدم فنًا خالصًا قائمًا على وجهة نظر صانعيه للواقع، مع قدر كبير من الخيال، وهو ما يتعارض مع النص فى هذه الضوابط على أن يتم الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص فى كل مجال فى حالة تضمين المسلسل أفكارًا ونصوصًا دينية أو علمية أو تاريخية، وهو ما يعنى تقييد خيال صانعى المسلسل إلى حد بعيد.
المشكلة هنا أن المجلس الأعلى للإعلام ينضم إلى العديد من المؤسسات التى تمارس الرقابة على الأعمال الفنية، وبعد أن كانت شكاوى المبدعين محصورة فى الرقابة على المصنفات الفنية انضمت المجالس الإعلامية والنقابات إلى القائمة التى تفرض رقابتها على الأعمال الفنية، وهو ما يزيد من القيود المفروضة على هذه الأعمال الفنية، فعلى أى رقابة يجب أن يخضع المبدع؟، هل يخضع لكل هؤلاء فيخرج العمل فى النهاية مهلهلًا؟، مرة أخرى تتجه الدول المحيطة بنا، والتى تسعى لتصبح مركزًا فنيًا إلى رفع الضوابط والرقابة على الأعمال الفنية، بينما نحن فى كل يوم نخترع جهة جديدة تنصب نفسها رقيبًا على الفن، فهل نسعى حقًا للحفاظ على موقعنا كسوق ومنتج للفن؟.