بقلم - كريمة كمال
هل يمكن أن يحدث هذا فى أى مكان فى العالم؟ أتحدث هنا عن السيدة التى قامت بالتعدى على الفتيات فى المترو بسبب ملابسهن.. تقول إحدى الفتيات: تعرضنا لأبشع الشتائم من السيدة، قالت لصديقتى: اللى زيك يتعمله محضر فى الدعارة، وخلعت حذاءها وتعدت علينا بالضرب.. ملابسنا لم تكن فاضحة مثلما وصفتنا.. صديقتى كانت ترتدى تى شيرت نصف كم.. استمرت المشاجرة خمس محطات.. لم نحرر محضرًا لأن السيدات أخرجنها من المترو.
هذه الواقعة تكشف الكثير مما يوجد فى المجتمع المصرى، تكشف كيف تحول قطاع كبير من هذا الشعب إلى متشدد ينظر بالذات إلى المرأة ليدينها إذا ما كانت مختلفة عنها.. هذه السيدة مثال لما ترسخ من ثقافة سلفية إخوانية فى المجتمع المصرى عبر سنوات، مما سُمى بالصحوة الإسلامية مما جعل الكثيرين ليس فقط يتبنون مفاهيم هذه الصحوة بل يتحولون إلى مطوعين يفرضون ما يرونه الصح حتى لو كان بالتدخل فى حياة الآخرين.
هذا مجتمع ضاعت فيه الخصوصية تمامًا، وأصبح من حق أى فرد فيه أن يؤمن بمثل هذه المفاهيم، ليس أن يرفض غيره المختلف عنه فقط، بل أن يتدخل ليُقوِّم هذا الآخر حتى لو كان بالتعدى عليه، ونتذكر هنا قصة السيدة التى صعد إلى منزلها حارس العقار وزوجته وجار لها ليعتدوا عليها لأنهم شاهدوا رجلًا يدخل شقتها مما دفعها إلى السقوط من النافذة، ولا ندرى حتى الآن إذا ما كانت قد ألقت بنفسها أم أنهم قد ألقوا بها.. هذه الواقعة التى حدثت فى المترو أخيرًا لا تختلف كثيرًا عن واقعة قتل الكاهن فى الإسكندرية، هى فى النهاية رفض للآخر المختلف ورغبة فى التخلص منه لأنه مرفوض من جانبهم، سواء وجود دين آخر أو ثقافة أخرى تتمثل فى ثياب عصرية جميلة يجدون هم أنها مخالفة.
ما جرى عبر عقود طويلة من تغلغل الفكر السلفى فى المجتمع لم يترك المجتمع على حاله بل قسم هذا المجتمع إلى قسمين، قسم يتبنى الثقافة المصرية كما كانت دومًا مع مسحة من العصرية، وقسم آخر يؤمن بكل الأفكار السلفية والظلامية ويريد أن يفرضها ولو بالقوة أو حتى بالعنف.. هؤلاء يرفضون تمامًا القسم الآخر ويريدون فرض رؤيتهم للمجتمع على الآخرين ولو بالتعدى عليهم بالقوة.
هذه السيدة ليست فقط متدينة بل هى خليط من التعصب والتشدد والرغبة فى فرض رؤيتها للعالم على الآخرين، وربما هى أيضًا حالة من الغيرة من فتيات صغيرات جميلات سعيدات بشبابهن، بينما هى قد فارقت الجمال ودفنت الجمال تحت قيود كثيرة كبلتها ودفنتها هى فى القاع.. لقد تم القبض على هذه السيدة بعد أن تم نشر الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعى.
وقد قيل إنه تم الإفراج عنها بعد تنازل الفتيات، ولا أدرى إذا ما كان هذا حقيقيًا من عدمه، وأنا أرى أنه لا يجب أن يحدث تنازل، بل يجب أن تُحاسب هذه السيدة عما اقترفته وإلا فسوف نرى مثلها الكثيرين والكثيرين، فالخطاب المتشدد موجود ومنتشر، ومن يريدون فرض تشددهم موجودون ويريدون أن يتحركوا ضد كل الآخرين الذين يرون هم أن وجودهم فى هذا المجتمع مرفوض.
القانون يجب أن يتدخل وإلا سيحاول قسم من هذا المجتمع أن يقضى على القسم الآخر بالعنف.. لا يجب أن يُترك هذا الصراع محتدمًا دون تدخل من الدولة لوضع حد له، خاصة أن ثقافة التشدد تزداد انتشارًا، علينا أن ندرك خطورة انتشار هذه الثقافة ولا نترك لها المجال لكى تفرض نفسها على المجتمع بالقوة والعنف.