بقلم -كريمة كمال
ضجة شديدة على مواقع التواصل الاجتماعى، بسبب منع الممثلة نجلاء بدر من الإقامة فى أحد فنادق العلمين، لأنها «سنجل»، أى بمفردها، وقد كتبت أكثر من مرة عن منع فنادق فى محافظات مصر لفتيات أو سيدات من الإقامة لأنهن بمفردهن وكأنما مطلوب مِحرم مع المرأة. وكالعادة، ردت من قبل وزارة الداخلية معلنة أنها لم تنشر تعليمات بمثل هذا الأمر.
وهذه المرة وبعد قصة نجلاء بدر ردت وزارة السياحة وتحججت بأنه لم تكن هناك أماكن شاغرة ولم يسبق الحجز، رغم أن نجلاء أكدت أنه قد تم الحجز المسبق.. وأنا أصدق ذلك، فلن يذهب أحد إلى فندق دون حجز مسبق، فلماذا تتوقف الوزارات عند التبرير، أو عند الإنكار، أو عند التخلص من المسؤولية؟!.. كما قالت وزارة السياحة إن هذا الفندق لا يتبعها ولكن يتبع الإدارة المحلية.. لماذا تتوقف الجهات المسؤولة جميعًا عند هذا الحد دون التطرق إلى مرحلة ضرورة مواجهة مثل هذا الفكر السلفى الذى ينتشر ويتغلغل فى المجتمع دون أى مواجهة حقيقية؟!.
سبق أن قلت إننا مجتمع مقسوم بين مَن يؤمن بالحرية والديمقراطية والتحرر، وبين السلفى المسجون فى أفكار سلفية رجعية. والمشكلة هنا أننا نعيش معًا، ونحتك، فنجد أنفسنا فى مواجهة الآخر الذى نحن فى تضاد حقيقى معه.. قصة نجلاء بدر مثلها مثل قصة الكمين الأمنى الذى يوقف سيارة فى سيناء ليكتشف وجود زجاجات كحول عند التفتيش فيقوم بتكسيرها أمام أصحابها دون أى قانون يحكم هذا، بل الذى يتحكم هنا هو معتقداته الخاصة.. نفس الأمر عندما يوقف كمين أمنى سيارة فى أحد الطرق فى سيناء فى طريقها إلى أحد المصايف ليجد رجلا وامرأة معا فى السيارة، فيسأل عن علاقتهما معًا، وهل هى زوجته، وإذا كان لديهما ما يثبت ذلك.. أين القانون الذى يحكم هذا، والذى يعطى هذا الحق فى التفتيش فى العلاقات التى لا تخص أحدا سوى أصحابها؟.. كل هذه القصص أو الحالات هى تجسيد لمجتمع سلفى ترتع السلفية فيه دون مواجهة حقيقية.
فى هذا السياق أيضًا، أصيب الكثيرون بالصدمة من رد فعل محامى قاتل القس فى الإسكندرية على صدور الحكم بإعدامه.. عندما تم النطق بالحكم، صرخ المحامى مخاطبا القاتل: «إنت على حق يا نهرو». والمحامى لا يبدو أنه سلفى من ملامحه ولا طريقة ملابسه، لكن السلفية تمتد إلى الكثيرين لتحتل أفكارهم.. وهكذا هو هذا المحامى وغيره كثيرون، فهو يؤمن بأن القاتل قد تخلص من أحد الكافرين، لذا فهو على حق.
هناك من طالبوا نقابة المحامين بمحاسبة المحامى، ومن طالبوا الداخلية بالقبض عليه.. فماذا إذن عن الآلاف مثله ممن يعتنقون هذه الأفكار وهم كثيرون، والأخطر من ذلك من يروجون هذه الأفكار وهم يرتعون بأفكارهم عبر الميكروفونات والشاشات ليحتلوا عقول الآلاف بل الملايين؟!.
نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية للتصدى لكل هذه المظاهر التى تكشف عما يتغلغل فى داخل المجتمع.. ثورة ثقافية تتخطى العاصمة والعاصمة الثانية لتصل إلى مختلف المحافظات.. نحن بحاجة إلى خطة لتنوير العقول والتصدى لمحاولة فرض الأخلاق كما يراها البعض، والتى تنحصر فى جسد المرأة والتعامل معها على أنها تابو يجب حصاره وتغطيته.
السلفية ليست فقط فى السلفيين الذين يمكن تمييزهم من هيئتهم والذين يمكن تتبعهم من مساجدهم ومناطقهم.. ليس فقط فى المحافظات بل أيضا فى القاهرة والإسكندرية، بل هى متجذرة فى كثيرٍ من العقول، وللأسف، مخترقة المؤسسات نفسها، حتى الأمنية منها.. من هنا نحن فى حاجة إلى التخطى إلى الدولة المدنية الحديثة التى تحكمها القوانين ولا تحكمها المعتقدات الأخلاقية للبعض، بل الأفكار السلفية التى تمنع إقامة المرأة بمفردها، لتصل إلى حد قتل المخالف.. فكل هؤلاء يؤمنون بأنهم على حق، تمامًا مثل نهرو.