بقلم : كريمة كمال
على مدى سنوات طويلة من عمرى اشتبكت كثيرًا فى أنشطة المجلس القومى للسكان، سواء الأنشطة المقامة داخله أو فى مختلف محافظات الجمهورية، وبرامج تنظيم الأسرة وكيف يتم تطبيقها وما الذى يعترضها.. بل وسافرت إلى الهند وإندونيسيا وتايلاند للتعرف على برامج تنظيم الأسرة هناك وكيف نجحت.. كان واضحًا أن العالم قد عرف تجارب كثيرة ناجحة فى هذا المضمار، بينما نحن لم ننجح.. لقد فشلنا والدليل على ذلك أننا منذ أن بدأنا ننفذ برامج تنظيم الأسرة حتى الآن لم تختفِ المشكلة، بل لم تنخفض معدلات الزيادة بشكل ملحوظ، وليس أدل على ذلك من أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحدث فى واحد من آخر خطاباته عن تأثير الزيادة السكانية على جهود التنمية، أى أن المشكلة مازالت قائمة، بل وتتفاقم.
لماذا نجحت الدول الأخرى التى تعانى من نفس المشكلة بينما فشلنا نحن؟ من تأمل برامج تنظيم الأسرة على مدى سنوات طويلة ماضية نكتشف أن التصدى لمشكلة تنظيم الأسرة فى مصر لم يكن أبدًا برنامجًا مستمرًا، بل إن ما حدث أنه كان يتم إدراك حجم المشكلة واتخاذ القرار بمواجهتها فيبدأ العمل فى الحملة الإعلامية المواكبة لها، مع العمل على توفير الخدمات الطبية المطلوبة فى المحافظات كلها والمدن والقرى، فيحدث تأثير ما ولو بسيطًا، لكن ما يلبث هذا أن يخفت إلى أن يتوقف تمامًا ويتم نسيان المشكلة تمامًا وبالتالى التصدى لها بقوة وفاعلية حتى يجىء وقت آخر أو جهاز آخر أو شخص آخر ليعيد إحياء الكلام عن المشكلة فتتخذ القرارات بالمواجهة، ثم الحملة الإعلامية وتوفير الخدمات، ثم يعود كل شىء إلى الاختفاء والتوقف مرة أخرى. لم يكن تنظيم الأسرة أبدًا برنامجًا قويًا مستمرًا على مدى السنوات الطويلة، وربما من أسباب ذلك أن تنظيم الأسرة والسكان قد تنازعت تبعيته الجهات، فمرة يتبع تنظيم الأسرة والسكان المجلس القومى للسكان، ومرة يتبع وزارة الصحة، وهكذا اختل الاهتمام به تبعًا لتبعيته للجهات.
نعم تنظيم الأسرة يحتاج إلى حملات إعلامية، ولكن لا يؤثر هذا وحده، فالمطلوب توفر الخدمات الصحية والطبية التى تسمح للمرأة بالممارسة، وبالتالى الحصول على المستلزمات الطبية، بل والنصائح الطبية، سواء من الطبيب أو الزائرة الصحية، كل ذلك يؤثر بشدة فى نجاح أو فشل برامج تنظيم الأسرة.
لقد خرجت علينا وزيرة التخطيط أخيرًا لتقول لنا إن الفرد يكلف الدولة منذ ولادته حتى سن السبعين مليونًا ونصف المليون جنيه، ولن أقول لسيادة الوزيرة من أين تحصل الدولة على ما تصرفه على الفرد، أليس من الأفراد أنفسهم؟ أليس من الضرائب والخدمات التى باتت تزداد كل يوم؟ فلماذا الإساءة للناس بدلًا من التفكير الجدى فى كيف تتبنى الدولة برنامجًا قويًا لتنظيم الأسرة يمكنها به أن تتصدى بحق للمشكلة، وتستطيع أن تحقق فيها إنجازًا قويًا ينتج عنه هبوط معدلات الزيادة السكانية.
خطط وبرامج الدول الأخرى التى كانت تعانى من الزيادة السكانية واستطاعت فعلًا أن تقضى على المشكلة متوفرة وقابلة للدراسة لنرى ما يتفق معنا وما يختلف، وما يمكن أن يأتى بنتيجة قوية تبعًا لظروفنا وطبيعة مجتمعنا.. بل إن مراجعة كل الجهود التى تمت فى تنظيم الأسرة والسكان لدينا يمكنها أن تضع يدنا على أسباب الفشل حتى لا نكررها ثانية.. المشكلة لن تُحل بالشكوى منها فقط، ولا بمعايرة المواطن بما يُصرف عليه من أموال، المشكلة تُحل بشكل علمى بحت، وأن يطبق برنامج يستمر، لا أن يرتفع لوهلة ثم يخفت ليموت تمامًا لننساه أعوامًا، بل عقودًا، ثم نعود لنتذكره.