بقلم : كريمة كمال
هناك ارتباط شديد بين سكان مصر الجديدة وحيّهم، خاصة من نشأ فى الحى وتربى فيه.. لذا فكل ما يمس ملامح الحى وهويته يؤثر بشدة فى سكانه.. لهذا ما تم فى مصر الجديدة بدعوى التطوير من إنشاء العديد والعديد من الكبارى قد أصاب هؤلاء السكان بصدمة ورفض شديد، ناهيك عن أن ما عدّه البعض تحقيقًا للسيولة الشديدة نتيجة هذه الكبارى تسبب فى مشكلة كبيرة لسكان الحى، ففجأة أصبح السكان لا يعيشون فى حيهم الجميل بل يعيشون فى طرق سريعة تصلح لخارج المدن وليس داخل أحياء سكنية، فلقد أصبح التحرك فى الحى يعنى خطورة شديدة تسببت فى وقوع عدد من الضحايا، فعبور الطرق التى سارت واسعة بشدة وسريعة جدا صار مستحيلًا وينطوى على خطورة شديدة.. وهكذا لم يعد الحى هو نفس الحى، وكان واضحا أن التطوير تم لصالح العابرين وليس لصالح الساكنين.
لهذا عندما اخترقت المعدات الثقيلة ميدان كنيسة البازليك وعَلِم السكان أن هناك نية لإقامة كوبرى يعبر الميدان ويفسده، ثارت ثورتهم وخرجوا على مواقع التواصل الاجتماعى يعلنون رفضهم الشديد.. كانوا بالفعل يصرخون بألا يتم تشويه الحى أكثر من هذا، وكان واضحا من صرخاتهم مدى رفضهم، بل لقد كتبت بيانات وجمعت آلاف التوقيعات وكتبت هاشتاجات، ووصل الأمر إلى البرلمان، حيث أثار عدد من النواب المشكلة.. وبحث سكان مصر الجديدة عن نواب مصر الجديدة فى البرلمان، لكنهم اكتشفوا أن ليس كل نوابهم معهم، فقد وقف نائب عن مصر الجديدة هو النائب طارق شكرى ليدافع عن مصر الجديدة وضم صوته لصوت أهالى دائرته ودافع عن تميز الحى وطرازه المعمارى وحقوق سكانه، ولم يتردد فى أن يعلن موقفه الرافض، بينما النائب الآخر كان- على حد تعبير سكان مصر الجديدة- مهزوزًا، واتخذ موقفًا محايدًا، بل أقرب لموقف الطرف الآخر فى مواجهة سكان الحى، أى أن موقفه كان مخزيًا بشدة، وخذل أهالى دائرته، بل خذل الحق فى قضية تشويه الحى، وهكذا أدرك السكان نوعية كل نائب.
كل هذه الضجة التى أثارها سكان مصر الجديدة تؤكد بشدة أنه يجب أن يؤخذ فى الاعتبار رأى سكان أى حى قبل إجراء أى تغيير به، وهو ما يحدث فى كل بلاد الدنيا، فلا يمكن رفع طوبة أو زيادة طوبة دون حوار مجتمعى يثبت موافقة أهل الحى..أما نحن، فكل شىء نفاجأ به حتى يصبح أمرا واقعا بلا أى حق للسكان وأهل الحى حتى لو كان هذا التنفيذ يعنى الإفساد والتشويه، يؤخذ رأى مسؤولى الطرق ولا يؤخذ رأى أهل الاختصاص من خبراء التخطيط العمرانى وأساتذته.. بل إن هذا الكوبرى يخالف القانون، حيث إن القانون 119 للبناء الموحد اعتمد اشتراطات الحفاظ على المناطق التراثية، وشمل حدود وأسس الحفاظ على منطقة مصر الجديدة ذات القيمة المتميزة، وهذا القانون يحظر أى إنشاءات فى الفراغات العامة أو الميادين مثل كبارى المشاة والطرق العلوية للسيارات.. إنه نص قانونى صريح يحظر الكبارى بأنواعها.
لم تهدأ الضجة بعدْ، فالصورة لاتزال غائمة، فقد قيل إنه تم سحب المعدات، وخرج أحد نواب البرلمان ليقول إن العمل توقف لحين دراسة المشروع، بينما خرج النائب السلاب ليقول إنه لا يوجد أى مشروع من الأساس وإن الأمر مجرد عمل مجسات للأرض، وجاء هذا التناقض فى التصريحات ليشكك الناس أكثر وأكثر.. وحتى كتابة هذه السطور لم يكن هناك بيان أو تصريح رسمى يؤكد أن المشروع قد تم إلغاؤه، وكأن الناس ليس من حقهم أن يعلموا مصيرهم أو ما يحاك لهم.