بقلم : كريمة كمال
فى أى زمن نحن؟ يجب أن تسأل نفسك هذا السؤال وأنت تطالع مواد مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من مجلس الوزراء إلى البرلمان المصرى.. إن المواد التى يتضمنها مشروع القانون يبدو كأنها وضعت قبل أكثر من مائة عام فهذه المواد تنفى عن المرأة الأهلية القانونية لما يعد مخالفة للدستور.. وليس مخالفة للدستور فقط بل هو مخالفة للواقع المعاش بالفعل فى المجتمع ووضع المرأة وما وصلت إليه.. المرأة وصلت إلى أعلى المراكز القيادية فهى وزيرة ومديرة بنك ورئيس مجلس إدارة وهى تتحمل كل الأعباء والمسؤوليات فى الأسرة بمشاركة الرجل وأحيانا كثيرة بمفردها فكيف تأتى هذه المواد لتعامل كل النساء بصرف النظر عن مراكزهن ووظيفتهن بل والمستوى التعليمى والخبرة العلمية أو الحياتية على أنهن ناقصات الأهلية ولا يملكن القدرة على إدارة شؤونهن الخاصة وشؤون أطفالهن، بل يجب أن يكون الرجل، أى رجل، فى العائلة هو القادر على ذلك، ولذلك لا تعترف هذه المواد بولاية النساء على أنفسهن أو على أطفالهن، وهكذا تبقى المرأة خاضعة لولاية الذكور فى العائلة سواء كان هؤلاء الذكور هم الزوج أو الأب أو الأخ، بل إن هذه المواد قد وصلت فى اغتيال أهلية المرأة إلى حد استحداث نص يعطى السلطة للولى فسخ زواج من تقع تحت ولايته من النساء الرشيدات بحجة عدم الكفاءة، أى أن المرأة الرشيدة التى قد تكون رشيدة لا تملك أن تزوج نفسها ويمكن للولى عنها أن يفسخ هذا الزواج إذا ما تم.
من هنا فيجب أن نقول إن الولاية حق للنساء على أنفسهن وعلى أطفالهن وهى ضرورة ومطلب أساسى، أما ما جاء فى مشروع هذا القانون فهو ليس فقط يعيد المرأة للوراء عقودا كثيرة، بل إنه يتحدث عن امرأة لم تعد موجودة فى الواقع فعن أى امرأة يتحدث هذا القانون وفى أى زمن؟ فهل يتصور أحد أن امرأة رشيدة تتبوأ منصبا كبيرا لا تكون لها الأهلية عن نفسها وتترك هذه الأهلية لذكر من عائلتها قد تكون تفوقه تعليما ومركزا؟ بل هل يتصور أحد أن امرأة رشيدة تربى أطفالها تكون عاجزة عن أن تأخذ القرارات اللازمة فى تعليمهم لأنها لا تملك الولاية التعليمية عنهم؟ أو لا تستطيع إدارة أموالهم لأنها لا تملك الولاية المالية عليهم وأنها فى كل هذا عليها أن تطلب الزوج ليقوم بهذا لأنه وحده صاحب الولاية رغم أن هذا الزوج قد تكون علاقته بأبنائه قد انقطعت بزواجه من أخرى أو لسفره إلى الخارج أو أنه يرفض أن ينفذ ما هو مطلوب نكاية فى الأم كل هذا لأن كل شىء يبقى معلقا بالرجل لأنه وحده صاحب الولاية، بينما يرى المشرعون أن المرأة ليست قادرة على أن تكون الولى عن أطفالها وهى بالقطع نظرة متسقة مع رؤيتهم أنها هى نفسها لا تملك الولاية عن نفسها.
كم امرأة عانت من عدم قدرتها على إلحاق أبنائها بمدارس بعينها لأن الزوج رفض أو أنه أصر على أن ينقل الأطفال من المدرسة المناسبة لهم لمجرد أن يكيد للأم.. إن قصص الولاية التعليمية والولاية المالية كثيرة وكم طالب المجتمع المدنى والجمعيات والمنظمات العاملة فى مجال المرأة بتغيير القوانين وإقرار أهلية المرأة القانونية ليأتى هذا القانون مخيبا للآمال، بل وليضع مواد ويستند إلى أفكار ورؤية تجاوزها الزمن وتجاوزتها المجتمعات الحديثة، من هنا لا يجب أن يمر هذا القانون دون مناقشة مجتمعية تتضمن من يدركون حقوق المرأة بل ووضعها الحالى وليس من يتحدثون عن امرأة لم تعد موجودة فى الواقع.