بقلم : كريمة كمال
من شاهد جنازة البدرى فرغلى تأكد أن صاحب القضية أهم كثيرا من صاحب المنصب.. مئات الألوف من المشيعين رغم أن الجنازة كانت فى بلدته ببورسعيد، فماذا لو كانت فى القاهرة؟ لتضاعفت الأعداد عشرات المرات.. جنازة البدرى فرغلى دليل على أن من عاش عمره مناضلا من أجل المبدأ والقضية تكتب الجماهير اسمه من نور داخل قلوبها وعقولها.. خبر وفاة البدرى فرغلى ملأ الفيس بوك، وصورته احتلت البوستات العديدة التى كتبت عنه.. كان الرجل المتواضع البسيط يعبر عن مئات الألوف من العمال، ويدافع عن حقوق مئات الآلاف من أصحاب المعاشات.. لم يبحث عن قضيته الشخصية، بل بحث عن قضايا وحقوق كل هؤلاء.
يوم الأربعاء الماضى أدخل البدرى فرغلى مستشفى آل سليمان إثر إصابته بجلطة فى الساق، حيث أجريت له جراحة عاجلة.. صباح الخميس أصر على السفر لحضور جلسة محكمة القضاء الإدارى فى القاهرة التى تنظر دعوى تفسير حكم ضم العلاوات الخمسة لأصحاب المعاشات.. عندما تقدم للشهادة أمام المحكمة تقدم من المنصة وهو يستند على مرافقه، فسأله القاضى عما به، فقال له مرافقه إنه قد أجريت له بالأمس جراحة لتسليك جلطة فى القدم، فتعجب القاضى من إصراره على الحضور وعاتبه على ذلك.. هكذا كان حتى فى آخر لحظات حياته، ومهما كانت حالته، مدافعا عن قضيته.
لا يوجد من لا يعرف البدرى فرغلى فى بورسعيد، لذلك كان يدخل الانتخابات وينجح مثنى وثلاث ورباع ليدخل البرلمان ليصول ويجول تحت القبة، فكان برلمانيا شهيرا من خلال استجواباته الشهيرة.. كان الناس يعرفونه فى الشارع وينادون عليه ويحيونه، وبعضهم يدعو له وآخرون يتقدمون منه للسلام عليه.. هكذا كان بالنسبة للمصريين يعرفونه وكأنه من نجوم السينما، بل وأكثر، كانوا يعلمون ما الذى يدافع عنه وكيف يتصدى للقضايا التى تهمهم بحق.. علينا أن ندرك هنا أن هناك نوابا يدخلون البرلمان ويخرجون منه دون أن يعرف الناس أسماءهم، بينما كان هو علما مرفوعا يشهد له الجميع.. بعد أن ترك مجلس الشعب بقى كما هو مناضلا صلبا من أجل بسطاء الناس.. وكانت معركته الأخيرة من أجل رفع المعاشات نموذجا على نضاله من أجل مئات الألوف الذين يتحدث باسمهم ويدافع عن حقوقهم ولا يتوانى عن هذا.
كيف تكونت هذه الشخصية التى أنتجت مناضلا فذا؟.. هو ابن الصعيد ورمز شعب بورسعيد الذى بدأ حياته عاملا فى الشحن والتفريغ، فزامل العمال وأدرك معاناتهم من أجل حقوقهم، فتصدى لنيلهم هذه الحقوق، وظل يناضل من المصانع إلى الشوارع لينتقل ليناضل تحت قبة البرلمان، ولم يهدأ يوما ولم يتوقف عن النضال من أجل حقوق البسطاء حتى تبنى قضية حقوق أصحاب المعاشات ليصبح مثالا للمناضل الحق.. هذا المناضل بدأ حياته مناضلا فى المقاومة الشعبية، ولم يكن عمره قد تخطى العشرين بعد حين انخرط فى ترميم ممرات الطيران وكيف كان هو وزملاؤه يزيلون الألغام بأيديهم من ممرات الطيران.. من هنا ندرك طبيعة شخصية البدرى فرغلى وامتلاكه لعزيمة الفدائى التى لم تفارقه يوما.
مصر ليست مجرد أرض وملامح عمرانية وحدود جغرافية.. مصر بها أوتاد ترتفع نحو السماء لمن يتحملون عبء الدفاع عن الناس وعن البلد، يحاولون تحقيق العدل على الأرض دون انتظار منصب أو ثمن لما يفعلون.. هم فى نظر الناس الأمل فى إحقاق الحق ورفع الظلم عن الناس.. هؤلاء لا يموتون أبدا، بل يظلون أحياء فى ضمير الناس.. هؤلاء يكتبون أسماءهم بالنور لتظل تضىء دوما ولتظل رمزا باقيا لمعنى الدفاع عن المبدأ والتصدى للقضية.. إنه صاحب القضية الذى لا يماثله أحد آخر.