بقلم: كريمة كمال
كانت الابنة الحزينة تمر بأسوأ لحظات حياتها هى وشقيقتها الصغرى وهما تدخلان وراء جثمان الأب جامع السيدة نفيسة.. كانت ترتدى بنطلونا طويلا وفوقه ثوب بأكمام طويلة ينسدل حتى كاحلها.. ووسط دموعها الغزيرة فوجئت بسيدة تقترب منها تطلب منها أن تعدل الثوب.. ولم أفهم حقا تعدل ماذا إذا ما كان الثوب ينسدل حتى قدميها. وفى طريقها إلى الخروج وراء الجثمان وقريبا من الباب انسدل الإيشارب الذى تضعه على رأسها، لتقترب منها أخرى وتسألها: «إنتى مش محجبة؟!.. الطرحة تفضل على راسك لغاية ما تخرجى».. لم أفهم حقا كل هذه الوصاية على فتاة صغيرة تمر بلحظة شديدة القسوة.. وبدلا من الطبطبة عليها يصبح التركيز الوحيد على ملابسها، وإذا ما كانت محجبة أم لا.
أنا لا أذكر هنا واقعة خاصة، بل هى واقعة عامة تتكرر كثيرًا مع أى فتاة أو امرأة تخرج إلى الشارع المصرى وهى غير محجبة.. هنا يصبح من الضرورة التأكيد لها أنها مراقبة وأنها تحت وصاية الرجل أو وصاية أى امرأة محجبة.. فقد مررت أنا نفسى بتجربة مماثلة قبل أيام، حيث كنت أجلس فى كافيتريا وأرتدى ثوبا طويلا ببطانة طويلة ملتصقة به وأكمام طويلة، وكنت أمرّ بظروف شديدة الصعوبة حينما اقتربت منى عاملة فى الكافيتريا وعلى وجهها ابتسامة صفراء وتنحنى علىَّ لتطلب منى أن أعدل البطانة، ولم أفهم أعدل أى بطانة إذا ما كانت ملتصقة أصلا بالثوب.. ولم أثب إلى رشدى لأنهرها بشدة نتيجة لحالة القلق الشديدة التى كنت أمرُّ بها.
هذه مجرد حالات.. وقد قالت لى صديقات كثيرات غير محجبات إن نفس الشىء قد حدث معهن.. أنا مقتنعة تماما بأن مثل هذه الحالات ليست بأى حال من الأحوال حالات فردية، لكنها اتجاه مخطط للضغط على غير المحجبة وإشعارها أنها على خطأ، وأن من هى على صواب من حقها أن تعدّل عليها وأن توجهها.. قد لا يحدث هذا فى الزمالك أو مصر الجديدة أو التجمع.. ولكن فى وسط البلد وباقى أحياء مصر، وقد يكون باقى أحياء مدن الجمهورية.
الحجاب مسألة شخصية، ومن حق أى امرأة أو فتاة أن ترتديه، كما من حق من لا تريد أن تفعل ذلك ألا ترتديه.. وأيضا المسيحيات اللاتى لا يحسب حسابهن أحد.. لكن أن يكون هناك استهداف منظم لأى امرأة غير محجبة فهذا هو المرفوض تماما، والذى لا يجب السكوت عليه، فالمحجبة ليست سلطة على غير المحجبة، وقد قال لى البعض إن هذا قد حدث معهن، وهن قمن بشكر من نصحتها رغم علمها أن لا شىء يستدعى التدخل.. وأنا أرى فى هذا عدم إدراك للحالة الموجودة بالفعل فى الشارع من استهداف لغير المحجبة.. ولكى ندرك هذه الحالة علينا أن نرى رد الفعل على الجريمة البشعة التى راحت ضحيتها نيرة أشرف، وكيف كان التركيز على أنها غير محجبة.. هذا مجتمع بات لا يركز ولا يهتم سوى بملابس المرأة.. هذا مجتمع يقبل القتل والذبح علنا، ناهيك عن أن يقبل الفساد والسرقة والكذب، لكنه لا يقبل إلا أن تتحجب المرأة.. هذا مجتمع مصاب بهستيريا جسد المرأة، ويغفر أى شيء آخر يراه ويسمعه ويعرفه ترفضه كل المجتمعات فى العالم.. هذا مجتمع يبيح لممرضة أن تقوم بتصوير جسد فتاة قُتلت غدرًا وتستعرض أماكن الطعنات.. من المؤكد لقاء مبلغ ما، ليضعه أحدهم على النت ويتربح.. أين الحرام والحلال هنا أم أن الحلال والحرام انحصر فقط فى تغطية جسد المرأة، أما باقى القيم فقد سقطت فى قاع القاع؟