بقلم - كريمة كمال
(تم تأليف وإخراج أوبرا عايدة لتلحق بافتتاح قناة السويس، واشترك فى تأليفها عالم المصريات الفرنسى أوجست مارييت باشا، وعمل موسيقاها الإيطالى الشهير فيردى، وأصبحت أشهر أوبرا مصرية إلى الآن. وأعتقد أن المتحف المصرى الكبير لن يقل فى العالمية عن قناة السويس، ولذلك فقد تطوعت بالاتصال بمخرج موسيقى إيطالى وآخر من الكتاب لنقدم نحن الثلاثة «أوبرا توت عنخ آمون» لعرضها مع افتتاح المتحف).
كان هذا هو ما كتبه الاثرى الشهير «زاهى حواس» فى مقالٍ له على هذه الصفحات. والحقيقة أن هذا صادم بشكل كبير، فهل هكذا يتم اختيار ما يتم تقديمه كأوبرا فى مناسبة مهمة كهذه؟!
ولماذا «توت عنخ آمون» بالذات؟ هل يتم اختياره لأنه الأشهر عالميا بصرف النظر عن السبب الحقيقى فى أنه الأشهر، فتوت عنخ آمون كان أحد فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشرة، وحكم مصر أقل من عشر سنوات فى عصر الدولة الحديثة، وهو من أشهر الفراعنة لأسباب لا تتعلق بإنجازات حققها أو حروب انتصر فيها، وإنما السبب فى ذلك هو اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل، دون أى تلف على يد عالم الآثار البريطانى هوارد كارتر، وأحدث هذا الاكتشاف ضجة إعلامية واسعة فى العالم.. ومن هنا فمعروف عن توت عنخ آمون أنه الأشهر من بين الفراعنة لأسباب لا تتعلق على الإطلاق بالأهمية التاريخية أو لإنجازات حققها أثناء سنوات حكمه القصيرة كفرعون مصر.
الأهم هنا أن الحديث يدور عن أوبرا، بما يعنى أن تكون هناك دراما قوية تستطيع أن تحمل عملا فنيا غنائيا أوبراليا، وحياة «توت عنخ آمون» لم تعرف أى دراما فى تفاصيلها، لذا فالغريب أن يطرح «توت عنخ آمون» لعمل أوبرا، بينما ليس هناك فى حياته أى دراما.
فى المقابل نجد «إخناتون» الذى هو بحق أهم الفراعنة المصريين؛ فهو من دعا إلى التوحيد، وحاول توحيد آلهة مصر القديمة فى شكل الإله الواحد، وتعرض لمعارضة كهنة آمون وآتون، وازدادت هذه المعارضة إلى حد الصراع الشديد حتى تم خلعه عن العرش، وأجلسوا توت عنخ آمون، بدلا منه، حيث تم فى عهده العودة إلى عبادة آلهة مصر القديمة مرة أخرى.
من هنا، فحياة إخناتون كانت تمثل دراما قوية، فيها من الأحداث التاريخية والإنجازات، وفيها من الصراع الشىء الكثير، كما أن فيها من الاختلاف حول الملك الشاب الكثير أيضا، حيث رأى البعض أنه المبشر بالإله الواحد، بينما رأى آخرون أنه أضعف الدولة المصرية القديمة.. من رأى أنه كان قويا، ومن رأى أنه كان ضعيفا مما يؤهلها لتتحول لعمل فنى قوى.
إن هذه الدراما القوية فى قصة الملك الذى انقلب على الآلهة القديمة، وبشّر بدين جديد لإله واحد، وعاش الصراع المرير مع الكهنة مصرا على إيمانه بالإله الواحد- هى التى دعت كاتبا بحجم نجيب محفوظ أن يكتب عنه رائعته «العائش فى الحقيقة»، متمثلا هذا الصراع الشديد فى حياة الملك الفرعون بكل عنفوانه وكل شخصياته وكل الاختلاف معه وعليه.
من هنا نعود لنقول: هل يتم اختيار الأشهر أم الأهم؟ وهل يتم اختيار من يصلح كدراما، أم الذى لا توجد أى دراما فى قصته؟
«توت عنخ آمون» ليس فى قصته ما يلمع سوى كنوزه الذهبية، بينما «إخناتون» فى قصته الكثير، مما يثير هناك دراما حقيقية تصلح لكى تتحول إلى عمل فنى كبير.
أرجو أن ندقق جيدا قبل الاختيار إذا ما كنا نسعى بحق لعمل أوبرالى عظيم.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع