بقلم: كريمة كمال
نحن لا نختار مجتمعنا بل نولد فيه، لكننا عندما نهاجر نحن نختار مجتمعًا بديلًا لمجتمعنا، لذا علينا أن نتقبل هذا المجتمع بكل تقاليده وأعرافه، والأهم من هذا قوانينه حتى لو تعارضت هذه القوانين مع معتقداتنا الدينية بالذات.. نحن يمكننا ألا نقبل المعتقدات والعادات ونتمسك بمعتقداتنا وعاداتنا، لكن لا يمكننا أن نرفض القوانين لأنها تتعارض مع معتقداتنا.. أقول هذا بمناسبة الواقعة الأخيرة التى وقعت فى فرنسا، حيث صفعت تلميذة معلمتها وضربتها قبل أن تلوذ بالفرار لأن المعلمة طلبت منها أن تخلع الحجاب داخل المدرسة لأن ذلك مخالف للتعليمات والقانون الذى يمنع ارتداء الرموز الدينية فى المدارس، وقد تم الإبلاغ عن الطالبة، كما احتجت المعلمة وناصرها كل المعلمين الذين رفضوا الاعتداء على المعلمة واعتبروه اعتداء على القانون، واعتبروه اعتداء على الجمهورية الفرنسية وقوانين الجمهورية.
فتح الجدل حول قوانين الجمهورية بعد هذه الواقعة، وهى ليست المرة الأولى التى يثور فيها الجدل حول هذا الأمر، فطالما جرى الجدل حول قيم الجمهورية وعلاقتها بالديمقراطية، خاصة بين المهاجرين القادمين من دول الشرق الأوسط الذين تصطدم معتقداتهم مع قوانين الجمهورية، وهو ما يدفعنى للتساؤل: لماذا يهاجر البعض لدول لا تتفق قوانينها مع معتقداتهم، ولماذا يتصورون أنهم سوف يفرضون هذه المعتقدات على المجتمع الجديد لا أن يتقبلوا هم قوانين المجتمع ولا يصطدموا بها؟.. الحياة فى مجتمع يختلف عنك تمامًا ليست بسيطة، ويجب أن يدرك المهاجر مدى ملاءمة قوانين المجتمعات التى يهاجر إليها وهو يتخذ قرار الهجرة، فالمجتمع الجديد سوف يعطيك التعليم المجانى لأولادك، وسوف يعطيك التأمين الصحى، وسوف يعطيك فرصة العمل التى لم تجدها فى مجتمعك، أو على الأقل سوف يعطيك فرصة عمل أفضل مما كانت لك فى موطنك، لكن مع كل هذه المميزات سوف يطالبك بالخضوع التام لقوانينه التى قد تتعارض مع معتقداتك كما فى حالة هذه التلميذة التى وصل بها التعارض مع القوانين أن تصفع وتضرب معلمتها لمجرد مطالبتها إياها بخلع الحجاب داخل المدرسة كما يقضى القانون.
هذه التلميذة تبدو تحت ضغط نفسى شديد نتيجة لاصطدامها بالمجتمع الفرنسى الذى وجدت نفسها فيه، والذى يتعارض تمامًا مع معتقداتها، ولذلك لم تحتمل أن تطلب المعلمة منها خلع الحجاب فتهورت إلى حد صفع المعلمة وضربها والهروب. هى لا تحتمل الحياة فى هذا المجتمع ولا تستطيع التأقلم معه، وغير معروف ما الذى سوف تواجهه هذه التلميذة بعد هذه الواقعة إن لم يكن الترحيل عن الجمهورية التى اصطدمت بقوانينها، أو أن تنال عقابًا شديدًا لفعلتها هذه، من هنا أكرر ليس سهلًا أن تهاجر إلى مجتمع آخر غريب عليك إن لم يكن لديك استعداد لتحمل هذا المجتمع بقوانينه بالذات، إن لم يكن بعاداته وتقاليده، فأنت إن رفضت عاداته وتقاليده سوف تعيش معزولًا بداخله، أما إذا رفضت قوانينه فسوف تُعاقب عقابًا صارمًا.
الذوبان فى المجتمعات الجديدة من المهاجرين إليها قضية مهمة فى هذه المجتمعات، وهذه الواقعة سوف تفتح الباب ليس فقط لمناقشة قوانين الجمهورية الفرنسية القائمة على الحرية ومنع التعصب للأديان بالذات فى المدارس، حتى يشب التلاميذ كعجينة واحدة تتيح لهم الذوبان فى المجتمع وتقبله، لكنها أيضًا سوف تفتح الباب لمناقشة مدى ذوبان المهاجرين فى المجتمع الفرنسى وتقبله، وإلا تكررت مرة أخرى هذه الواقعة ليس مرة بل مرات.. على المهاجر أن يقدر الاختلافات المقدم عليها هو وأسرته قبل أن يُقدر المزايا التى سيحصل عليها من الهجرة، وإذا ما كان مهاجرًا إلى فرنسا فعليه أن يتقبل قوانين الجمهورية حتى لو اصطدمت معه.