بقلم : كريمة كمال
فى حلقة من حلقات برنامج مانشيت لجابر القرموطى، قام مقدم البرنامج بفتح موضوع الفطر الأسود المنتشر حاليا بالبصل.. استضاف على الهاتف أ. د. متخصصًا، وهو المسؤول عن وحدة الأورام بمعهد الكلى، وتحدث الرجل عن خطورة هذا الفطر على الصحة، محددا اسمه وتأثيره، وأعرب عن أن هناك زيادة فى حالات سرطان الكبد فى الفترة الأخيرة، رصدتها أبحاث أجريت أخيرا، مؤكدا أن هذه المادة السوداء معروفة علميا، ومن المؤكد أنها تسبب السرطان.
الكلام خطير ومقلق إلى حد كبير، فليس هناك بيت فى مصر لا يستخدم البصل، ولا يتعرض لهذه المادة يوميا. هل هذا معناه أننا نتعرض يوميا للإصابة بالسرطان؟.. المشكلة ما جرى بعد ذلك فى البرنامج فقد أتى مقدم البرنامج بعدد من البصلات، وأخذ فى «دشها» واحدة تلو الأخرى ليجد الفطر الأسود موجودا فى كل منها، بل إن يديه قد تلوثت تماما بهذا الفطر، فاستضاف على الهاتف مسؤولا من وزارة الزراعة ليقول هذا المسؤول إن الفطر الأسود يصاب به البصل فى نهاية الموسم، وهو شىء عادى جدا وأنه مجرد فطر أسود لا يسبب السرطان، وليس له أى ضرر، إذا ما تمت إزالة الطبقة الحاوية له من البصل.
وهكذا أصبحنا أمام رأيين متضادين: أحدهما يؤكد أن الفطر الأسود يسبب السرطان، ورأى ينفى ذلك، والمشاهدون هنا فى حالة قلق وانقسام ما بين الرأيين، والفيصل هنا أيهما الرأى الصحيح علميا؟
لكن مقدم البرنامج، بدلا من أن يناقش مدى صحة كل رأى من الناحية العلمية ليحسم الخلاف، وليصل إلى حقيقة أيهما أصدق علميا، بل أيهما طبقا للعلم يمكننا أن نتبناه، ونحن مطمئنون، وبدلا من أن يطالب وزارتى الصحة والزراعة بدراسة هذا الفطر وإعلان إذا ما كان مسببا للسرطان أم لا وإعلان ذلك للناس، انحاز فجأة للرأى الثانى، حيث أخذ يردد بأنه ليس من المعقول أن نظل نردد أن كل شىء يسبب السرطان، وأن هذا يسبب السرطان، وذاك يسبب السرطان، وأننا بتنا نردد أن كل شىء فى حياتنا يسبب السرطان، وأننا بتنا نخاف من كل شىء، بدعوى أنه يسبب السرطان.
والأسوأ أنه أخذ يضرب «يدش» البصل الذى أمامه ليخرج ما بداخله، ويردد أن البصلة حلوة، ليس بها أى شىء بل أخذ يأكل البصلة تلو الأخرى، وهو يتلذذ بها فى انحياز واضح للرأى الثانى، دون أى دلائل على صحة هذا الانحياز، بل فى ضرب واضح لرأى علمى وأبحاث أجريت، وثبت منها زيادة نسبة الإصابة بسرطان الكبد.
وظل مقدم البرنامج يأكل البصلة تلو الأخرى، لينهى الجدل لصالح الجهل والتضليل، فلم يكن هناك ما يثبت عدم صحة الرأى الأول مجرد رأى فى مواجهة رأى آخر.
هذه الحلقة من هذا البرنامج هى إدانة كاملة للإعلام المصرى، وكيف يتصدى هذا الإعلام لقضايا محورية بشكل سطحى، فالمشاهد قد خرج من الحلقة بقدر كبير من القلق لم يحسم علميا بشكل واضح، وهو إما يظل على قلقه، إذا ما كان من المنحازين للرأى العلمى، وإما ينحاز لانحياز مقدم البرنامج، إذا كان ممن ينحازون للجهل والتضليل المبالغ فيه الذى بثه هذا البرنامج، فمقدم البرنامج من أجل أن يقوم بتقديم «شو» له وهو «يدش» البصل، ويأكله ضرب مصداقية البرنامج فى مدى انحيازه للرأى العلمى ومدى حسمه لصحة الرأى الذى يتبناه فى انحياز واضح للتواكل والتضليل.. فإلى متى نظل نعانى من هذا الإعلام؟!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع