بقلم : كريمة كمال
عندما تصل الإسكندرية يكون أول ما تريد فعله هو الخروج إلى البحر لتستنشق هواءه، وتمتع عينيك برؤية امتداده فى الأفق المفتوح أمامك إلى ما لا نهاية.. لذلك أثيرت فى الأيام القليلة الماضية ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى عكست الغضب والرفض لما يجرى فى الإسكندرية، وحملت العديد من الصور لجدار ضخم يحجب البحر، وجرى جدل حول من هو رافض لإقامة هذا الجدار، ومن يحاول تأكيد أنه مجرد مبنى لا يتعدى بضعة الأمتار. لكن علينا هنا أن نتذكر أن كل مبانى النقابات والهيئات التى أقيمت على الكورنيش فى الإسكندرية كانت مجرد مبانٍ أقيمت مبنى وراء مبنى حتى احتلت فى النهاية أغلب الكورنيش وحجبت رؤية البحر تماما.
بينما أهم شىء فى المدن الساحلية التى تطل على البحر أن يكون الأفق عند البحر مفتوحا تماما، فهذا هو أهم مشهد فى المدن الساحلية وأهم مكان جذب جمالى وسياحى، لذلك يجب المحافظة عليه، ففى شاطئ ريو دى جانيرو مثلا يعاقب بالحبس المشدد مَن يضع أى إعلان أو بناء أو كافتيريا تحجب الرؤية عن الكورنيش.
الواجهة البحرية لأى مدينة فى العالم أهم شىء يجب عدم المساس به، وعلينا أن نرى شكل الكورنيش فى أى بلد تطل على الساحل لنرى كيف احترمت المساحة المقابلة للبحر لمئات الأمتار، وكيف يتم تجميلها وتنسيقها فى أبهى الصور لنرى كورنيش مدينة ليماسول فى قبرص، بل كورنيش مدينة بينيدروم فى إسبانيا وكورنيش ريو دى جانيرو وبرزن فى أستراليا وفانكوفر فى كندا، بل كورنيش طنجة وبيروت وجدة.. لكننا فى الإسكندرية التى تطل ليس على أى بحر، بل على البحر الأبيض المتوسط، المدينة العريقة مررنا بالكثير من التجريفات والتعديات من مبانٍ نوادى نقابات والبناء العشوائى لكل ما تبيعه المحافظة تحت شعار الاستثمار!
وهكذا تحول الكورنيش إلى سلسلة من النوادى والكافيهات والفنادق، وخصصت الشواطئ بالطبع لهذه النوادى والكافيهات والفنادق وكله أصبح برسوم إيجارية ورسوم دخول، واختفت تماما كلمة شاطئ مجانى فى الإسكندرية، ولم يعد لأهل الإسكندرية وزوارها سوى التمتع برؤية البحر، فإذا ما حجبت هذه الرؤية أيضا فلن يعود لهم أى شىء من البحر حتى رؤيته.
السور المبنى على كورنيش الإسكندرية والذى أثار الغضب والحنق الشديد ليس لدى أهل الإسكندرية وحدهم، بل أهل مصر جميعا.. هل هو سور فعلا أم جزء من مبنى على الشاطئ؟
هل يحجب الرؤية عن البحر على امتداد الكورنيش كله أم على امتداد جزء منه فقط؟
هذا هو السؤال الذى طرح بعد الجدل الذى أثير على مواقع التواصل الاجتماعى، وجاءت الإجابة على لسان محافظ الإسكندرية الذى قال إنه مبنى لمشروع استثمارى يوفر ثمانمائة فرصة عمل!
فهل من حق أحد أن يقيم مشاريع استثمارية على البحر، بحيث تحجب الكورنيش حتى لو فى مساحة بضعة مترات لمجرد أنها توفر فرص عمل، أم أن فى هذا تعديًا على حق الناس؟
مِن حق مَن حرمان أهل الإسكندرية، بل أهل مصر كلهم من أجمل كورنيش تاريخى فى مصر، بل فى المنطقة كلها؟!
كل هذه الممارسات التى تغتال حق الناس فى التمتع بالبحر والكورنيش هى ضد الدستور الذى أقر حق المصريين فى التمتع بثروات بلادهم والقوانين التى تنظم هذا الحق والتى تمنع الاعتداء على حرم البحر والحق الطبيعى للناس فى رؤية البحر وهو الذى دفع الناس للتعبير عن كل هذا الغضب مطالبين بإنقاذ الإسكندرية وكورنيش الإسكندرية.. لقد غضب الناس لأنهم شعروا أن هناك من تعدى على أبسط حقوقهم.. حق رؤية البحر.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع