بقلم - كريمة كمال
هل من باب الصدفة أن يثير مسلسل «فاتن أمل حربى» كل هذه الضجة؟.. هل من باب الصدفة أن يهاجم مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر المسلسل وأن يتقدم محام ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد المسلسل، موجهًا له تهمة ازدراء الأديان، وأن المسلسل يدعو «إلى تضليل الشريعة والتعدى على الثوابت الدينية ونشر السلوكيات السلبية، والتى من شأنها أن تؤثر فى المجتمع وترسخ القيم السلبية والتى تهدد استقراره»؟.
كل هذه الضجة وكل هذا الانقسام ما بين من يهاجم المسلسل ومن يدافع عنه يكشفان الصراع الموجود داخل المجتمع حول حقوق المرأة ووضعها فى هذا المجتمع.
من يستندون إلى الدين فى كل ما يمنحونه من حقوق للرجل دون المرأة، ومن يرون المرأة تابعة للرجل، بل خادمة له، ومن يرون أن من حق الرجل أن يفعل بالمرأة كل ما يريد، حتى إن وصل الأمر إلى الضرب بدعوى تأديب المرأة، هؤلاء لا يطيقون مناقشة حقوق المرأة فيما يخص علاقتها بزوجها وحقها فيما يخص أبناءها، بل وحقها فى أن تتخلص من زواج فاشل.
وهنا أتذكر جيدًا ما جرى عندما تمت مناقشة مادة منح المرأة حق الخلع فى البرلمان المصرى، وقتها ثارت ثائرة العديد من النواب، رافضين إقرار المادة رغم استنادها إلى الدين، ولم يمنع هذا الاستناد رفضها من هؤلاء النواب، حيث شعروا بأن المادة تعطى حقًا للمرأة فى الخلاص من الزواج، وهو حق كان مقصورًا على الرجل وحده.. أى أن السائد لدى كثيرين فى المجتمع هو حقوق الرجل وحده، وأن المرأة لا حقوق لها، ولذلك يتم رفض مناقشة أى حقوق للمرأة، ومن هنا جاءت كل هذه الضجة ضد مسلسل «فاتن أمل حربى».
المشكلة الحقيقية هنا هى من يتحدث باسم «فاتن»؟ إذا ما كان محامون يرفعون دعوى عليه، والأزهر ينشر بيانًا يدينه ويرفضه، فمن يتحدث باسم حقوق المرأة هنا؟ كان من الطبيعى أن نجد ندوات ومؤتمرات تُعقد من مؤسسات مناصرة حقوق المرأة بدلًا من أن نجد أن الصراع يدور فقط على السوشيال ميديا بدلًا من أن يدور فى الواقع.. لكن للأسف تغيب تمامًا هذه المؤسسات عن الصراع الدائر الآن، لأنها غير موجودة بالفعل فى الواقع ولا تمارس نشاطها كما كانت فى الماضى، لذلك فنحن نطالب بعودة هذه المؤسسات مرة أخرى للعمل وممارسة نشاطها، فهى الممثل الوحيد للمرأة فى مجتمعنا، وهى التى لديها الكثير والكثير من الحالات الموجودة بالفعل فى المجتمع للنساء المعنفات والتائهات فى المحاكم وراء حقوقهن كالنفقة وغيرها، وهذه المؤسسات والجمعيات لديها العديد والعديد من الدراسات حول وضع المرأة فى المجتمع، وما هو مطلوب فعلًا لإعادة النظر فى قانون الأحوال الشخصية.
عدم وجود مثل هذه الجمعيات والمنظمات بشكل فعال فى المجتمع يجعل هذا المجتمع مجتمعًا أعرج غير قادر على أن يسير على قدميه بشكل صحيح، ذلك لأن المجتمع المدنى يشكل قدمًا أساسية فى جسد المجتمع لا يمكن الاستغناء عنها ولا عن دورها.. الجهات التى لا تناصر المرأة كثيرة، وهى أسيرة للكثير والكثير مما استتب فى المجتمع ورسخ، ولذلك فهى ترفض أى تغيير فى علاقة الرجل والمرأة بالأساس، ناهيك عن علاقة الزوجين وحقوق كل منهما، خاصة أن هذه الجهات هى بالأساس جهات تقتصر على الرجال فقط، وهى لذلك بعيدة تمامًا عن تبنى حقوق المرأة، ولذلك نكون نحن فى أمس الحاجة للمنظمات والجمعيات الأهلية لتكون حاضرة فى هذا الصراع الدائر حول حقوق المرأة.