بقلم : كريمة كمال
عندما نظر قانون الجمعيات الأهلية بالبرلمان كتب الكثيرون، ومنهم كاتبة هذه السطور وعلق الكثيرون فى البرامج والحوارات على العيوب الخطيرة التى يتضمنها القانون، ونادوا بألا تتم الموافقة عليه وإقراره محذرين من القانون وتداعياته، لكن للأسف لم يسمع لهم أحد، وتمت الموافقة على القانون، وتم إقراره وكانت تداعيات القانون واضحة وضوح الشمس فقد توقف المجتمع المدنى تماما، وماتت حركته والآن وبناء على مبادرة من رئيس الجمهورية يتم النظر فى القانون مرة أخرى من أجل تعديله وتجرى العديد من جلسات الحوار المجتمعى من أجل النظر فى المقترحات المقدمة من المجتمع المدنى لتعديل القانون، والواقع أن هذه الحوارات المجتمعية التى تمت عرضت لطريقة تأسيس الجمعيات، وألا يكون هناك مجال لعقوبات سالبة للحريات فى القانون.. لكن أهم ما جاء فيها فى نظرى هو أن القانون الجديد المنظم للجمعيات الأهلية يجب أن يعبر عن فلسفة جديدة تعتمد على تشجيع العمل الأهلى.
من المؤكد أن هذه الحوارات لن تكون لها الكلمة الأخيرة فى تعديل القانون كما لن تكون الكلمة الأخيرة لوزارة التضامن التى ترعى هذه الحوارات، بل ستكون الكلمة الأخيرة للحكومة والبرلمان والرئاسة، من هنا فالتأكيد على أهمية اعتماد فلسفة جديدة تقوم على تشجيع العمل الأهلى لها كل الأهمية، فالفلسفة القائمة وراء أى قانون هى التى تعكس كل بنوده. من هنا فلو نظرنا للقانون المراد تعديله لوجدنا أن الفلسفة التى تحكمت به هى العداء التام للجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى. كل ما جاء فى هذا القانون من مواد بنيت فى الأساس على الشك فى الجمعيات الأهلية والتشكيك فيها، وبالتالى فقد جاء القانون مقيدا لعمل الجمعيات إلى الحد الذى قضى تماما على القدرة على العمل.. الفلسفة من وراء هذا القانون كانت تخوين المجتمع المدنى، وبالتالى الحد من حريته فى الحركة والعمل، وقد كان هذا واضحا وضوح الشمس فى كل بنود القانون وبالتالى فى تداعياته بعد تطبيقه.. من هنا تأتى أهمية الفلسفة التى يستند إليها أى قانون ففى ضوء هذه الفلسفة يتم وضع بنوده.
هل يمكن اعتماد فلسفة جديدة تقوم على تشجيع العمل الأهلى بديلا للشك فيه والتشكيك فى أهدافه وتخوينه؟ قد تكون هذه الفلسفة الجديدة مطروحة الآن فى الحوارات المجتمعية لأن من يطرحها بالأساس هم أعضاء المجتمع المدنى المقدرون لدوره الهام فى أى مجتمع، وبالتالى فإن طرح هذه الفلسفة ضرورى فى إعادة النظر فى القانون المعمول به الذى استند إلى فلسفة مغايرة تماما، لكن كيف سيكون الحال عندما تطرح التعديلات الجديدة على البرلمان والحكومة، وهل ستصمد الفلسفة الجديدة القائمة على تشجيع العمل الأهلى أمام الفلسفة القديمة القائمة على الشك والتشكيك والتخوين؟ أعتقد أن هذا هو الصراع الذى سيدور ما بين فلسفتين مختلفتين، وهذا الصراع ونتيجته هو الذى سيحسم كيف سيتبلور القانون الجديد. هل سيأتى متضمنا لمواد تعالج كل ما جاء فى القانون القديم من قصور؟ أم أن التعديلات لن تخرج عن بضع مواد لا تؤثر أصلا فى صلب القانون ولا تعالج عيوبه القائمة أصلا على فلسفته المعادية للمجتمع المدنى. هذا العداء المستحكم هو ما أنتج القانون القائم المراد تعديله فهل سينتهى هذا العداء؟ هل سيتخلى البرلمان وتتخلى الحكومة عن موقفها الذى تمترست عنده عند وضع القانون بحيث يتم وضع قانون جديد خال من تأثير هذا العداء.. هل تستطيع الحكومة ويستطيع البرلمان أن يتبنيا فلسفة جديدة مغايرة عند النظر للتعديلات؟ إذا لم يحدث هذا فلن تجدى أى تعديلات لأنها ستكون تعديلات شكلية فقط.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع