لو كان «مجلس النواب» اتخذ قراراً حاسماً ضد النائب «إلهامى عجينة»، بعد تصريحاته المستفزة، ورغبته المسعورة فى تأميم المرأة بـ«الختان»، وحكمه الأرعن الذى لا يستند إلى علم أو إحصاءات بأن رجال مصر «عجزة جنسياً»، وهوسه بالكشف على «عذرية البنات» عند دخول الجامعة، ومطالبته نائبات المجلس الموقر بـ«الاحتشام».. لما جرؤ على أن يسب الصحفيين فى الدقهلية.. وأن يختبئ خلف «الحصانة»، التى سبق أن أعفته -من قبل- من الاتهام المباشر بالتحرّش اللفظى بالمرأة، وبعد تحويله إلى لجنة «القيم» وثورة نائبات المجلس الموقر.. اكتفينا -كالعادة- بالاعتذار أو الإنكار!.
ربما لأن هيبته من هيبة المجلس، أو لأن غالبية رجال مصر يتبنّون نفس الفكر الرجعى، وتحكمهم نفس «العقد الشرقية»، فيتصور البعض أن نساء مصر «الفضليات» كلهن «عاهرات»، إلى أن يثبت العكس.. وأنهم ورثة «برهامى» و«الحوينى» فى سبى المرأة بسلاح القانون، بدلاً من ألغام الفتاوى!
خلال تغطية زيارة محافظ الدقهلية الدكتور «كمال شاروبيم» لمدينة جمصة، افتعل النائب «عجينة»، عضو مجلس النواب عن دائرة بلقاس، مشادة مع سائق سيارة تابعة للمحافظة كانت تقل الصحفيين، عندما حاول السائق تجاوز سيارة النائب للحاق بموكب المحافظ.. وأخبر السائق «عجينة» بأنه يحاول ومعه الصحفيون اللحاق بسيارة المحافظ، فسبّ الصحفيين، وقال: (دول ولاد ***.. إيه اللى جابهم هنا)؟!.
وقال صحفيون شاركوا فى التغطية إن النائب اعتاد إثارة تلك المشادات، وتوجّهوا إلى قسم شرطة جمصة لتحرير محضر ضد النائب، وقالوا إن المحافظ تدخّل وحضر بنفسه إلى قسم الشرطة، واعتذر عن تصرف النائب، موضحاً أن المشكلة يمكن حلها بعيداً عن الشرطة والنيابة.
وكان «عجينة» قد أثار غضب أهالى منطقة 15 مايو بجمصة، عندما اقتحم اجتماعهم مع المحافظ، وطالبهم بدفع تكلفة تطوير منطقتهم من إيرادات الشقق والشاليهات المؤجّرة خلال شهور الصيف.. وكأنه يقدّم لنا نموذج «النائب الفتوة» الذى يخضع الجميع بلسانه السليط وألفاظه النابية، وأفكاره التى تعبر عن أمراض نفسية كامنة، فجرتها «السلطة المباغتة» والحصانة، والوجود فى قلب المجلس التشريعى الذى يحكم الحاضر والمستقبل بقوانين يشارك فيها.. لكنه يشارك بمنهج فج فى التردى الفكرى والانحطاط الحضارى، وثقافة السلفيين التى تحولت إلى «وهم شعبى» يسيطر على بعض العقول!.
وقد أدانت نقابة الصحفيين الإهانة التى تعرّض لها الزملاء الصحفيون أعضاء النقابة بمحافظة الدقهلية من النائب «إلهامى عجينة»، لتعديه على الزملاء بألفاظ نابية خارجة عن كل حدود الاحترام واللياقة، وبلا مبرر، ويعاقب عليها القانون، وذلك أثناء تغطية الزملاء جولة محافظ الدقهلية الدكتور «كمال شاروبيم».
وأوضح البيان الذى أصدرته النقابة، أن النقابة إذ ترفض هذا السلوك من نائب دائرة «بلقاس» فإنها تتوجّه إلى الدكتور «على عبدالعال»، رئيس مجلس النواب، لرد اعتبار الزملاء، مؤكدة أن (السكوت على ما فعله يمثل إهانة لمجلس النواب نفسه، كما أن هذا المسلك لم نتوقعه من عضو بمجلس النواب).
كما أهابت النقابة بالزملاء الصحفيين أعضاء مجلس النواب عدم السكوت على ما بدر من النائب المذكور والتقدّم بمذكرة عاجلة لرئيس المجلس، للحفاظ على وحدة الصف، فى الظروف التى يمر بها الوطن، والتصدى لهذه المحاولات المغرضة للنيل من «الصحافة».
وكالعادة، فى أول رد فعل لـ«عجينة»، قال لجريدة «الدستور» إن المشادة كانت مع سائق المحافظ، وليس مع الصحفيين، مؤكداً أن أحد الصحفيين تدخل فى الأمر، لكنه لم يصدر منه أى سباب أو تجاوز فى حق الصحفيين، مؤكداً أنه يقدّر ويثمّن دور الصحفيين وأهمية عملهم خلال الفترة الحالية.. وهو كذب مفضوح، لأن شهود الواقعة أولهم محافظ الدقهلية!.
لكن سيادة النائب «المحترم» حاول أن يفرض سلطته وأمراض «تضخّم الأنا» وجنون العظمة التى تتحكم فيه باقتحام اجتماع المحافظ نفسه، ثم بإهانة الصحفيين وسبّهم بألفاظ نابية.. وهو يعلم تماماً أن القضية ستُدفن بعدة بيانات متبادلة، وأنه سيظل داخل المجلس رغم كل جرائمه السابقة فى حق رجال ونساء مصر وفى حق نائبات الشعب!.
ولأننا فى زمن الهوان، وانعدام الكرامة، «زمن المسخ».. فقد سقطت عن الصحافة صلاحياتها كـ«سلطة رابعة» بقانون شارك فى إخراجه نواب من عينة «عجينة».. وكان لا بد أن يتمسّك الصحفيون بحقهم فى تحرير محضر بالواقعة، لأن العدالة لا تتحقق ببيانات الشجب والإدانة، ولا حتى بمقاطعة نائب «الختان وكشف العذرية والعجز الجنسى».. لكنهم -بكل أسف- تنازلوا عن حقهم، إكراماً للسيد المحافظ.
يقول «حسين الزناتى»، السكرتير العام المساعد لنقابة الصحفيين، إن الألفاظ «النابية» التى أطلقها «عجينة» بحق عدد من الزملاء الصحفيين خلال أدائهم مهمتهم، لن تمر مرور الكرام.. وأنا أقول له، بل ستمر كأن شيئاً لم يكن.. ويقول إن «صوت الصحافة الحر لن يخفت، مهما حاول البعض النيل منها، لأنها ستبقى صوت الشعب ونبضه».. وأنا أقول له: «لا صوت يعلو فوق صوت الحصانة»!!.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع