بقلم - سحر الجعارة
عندما تتعرّض كاتبة -مثلى- للتنمر والتمييز على أساس النوع، لأنها أثرت فى المجتمع المصرى، ولا تستطيع الدفاع عن وجودها ممثلاً فى مهنتها وأدائها العام.. عليها أن تترك قلمها فوراً أو تعلن صرختها، رافضة «التحريض على كراهية النساء» والحط من شأنهن وتحقير «أدوارهن الاجتماعية».
ولأننى لست من أنصار «الإرهاب بحق التقاضى»، ولأننى أيضاً عملت مع فريق العمل فى «جريدة الوطن» منذ تأسيسها، وأعرف أنها أول جريدة «سياسية - ليبرالية» تؤسس موقعاً خاصاً لمناصرة النساء، ولأن كل من ينتمى إليها من رئيس التحرير إلى أصغر صحفى يقدّسون نساء مصر وأدوارهن.. آثرت أن أرد على الزميل «أحمد إبراهيم» بشكل متحضّر «ربما لم يحدث معه من قبل».
كتب الزميل تحت عنوان «نصائح المطلقات» تعليقاً على قرار السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بتشكيل لجنة من القضاة لوضع قانون جديد للأحوال الشخصية: (حسناً قرر الرئيس ذلك حتى لا يترك الساحة لبعض السيدات اللاتى فشلن فى الحفاظ على بيوتهن، ومع ذلك ينصحن بضرورة الاستقرار الأسرى، ويطالبن بحقوق المرأة، فمعظم من يُصدعن رؤوسنا ليلاً ونهاراً فى وسائل الإعلام ويتاجرن بحقوق المرأة إما مطلقات أو لم يتزوجن أصلاً)!!
أولاً: نسبة الطلاق فى مصر، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، بلغت 245 ألف حالة خلال 2021، «وفقاً لبيانات 2020 تحدث حالة طلاق كل دقيقتين، وأكثر من 18 ألف حالة فى الشهر».. تخيل أن مئات الآلاف يحق لهن ملاحقتك بتهم التنمر والتحرّش اللفظى ووصمهن بعار «الطلاق والعنوسة»، الذى يتحمّل مسئوليته الرجل الذى احترف «التعدّد والطلاق الشفهى»!
ولأن «الدفاع عن حقوق المرأة» حق أصيل لكل إنسان فى موقعه، لك أن تتصور من التى من حقها أن تنوب عن نساء مصر «المطلقات والعوانس» فى ملاحقتك قضائياً؟.. تخيل يا أستاذ «أحمد» من التى يجوز لها (بل يجب عليها) أن تقتص لكرامة النساء وسمعتهن التى دمرتها فى مقال مدجّج بالأفكار الرجعية؟.. هى الدكتورة «مايا مرسى»، رئيس المجلس القومى للمرأة، (رئيس المجلس هو الذى يمثله أمام القضاء وفى صلاته بالغير، وتكون له سلطات الوزير وصلاحياته المقرّرة فى القوانين واللوائح.. مادة 5 من قرار إنشاء المجلس).. وهى السيدة التى تطالبها «بالصمت»، خوفاً من قلمك البتار الكفيل بإهدار كل مكتسبات المرأة!
(كل سيدة فشلت فى الحفاظ على بيتها أتمنى منها عدم الكلام عن حقوق المرأة، حتى لا تتسبّب فى خراب البيوت، كما أتمنى للهيئات والمجالس المعنية بشئون المرأة والأسرة أن يتولى إدارتها السيدات الناجحات فى بيوتهن، واللاتى حافظن على أسرهن).. بهذه الجمل التى كتبها «إبراهيم» بحبر «سلفى - رجعى» بامتياز قرر إعدام كل امرأة مطلقة أو أرملة، وبالتالى على السيد رئيس الحكومة مراجعة خانة «الحالة الاجتماعية» لكل وزيرة أو سفيرة أو رئيسة مجلس من المجالس، فإن وجدها «بدون ذكر» أعدمها سياسياً وأجلسها فى منزلها «تربى الفراخ»، لأنها «فاشلة وخرابة بيوت».. وهذه قضية أخرى تُسمى فى القانون «سب وقذف».
من أين خرج علينا الزميل بكل هذا العداء ومناهضة النساء؟ ألم يتعلم على يد مدرسة (مشكوك فى كفاءتها لأنها مطلقة)؟.. ألم يقف وهو يتصبّب عرقاً أمام أستاذة فى الجامعة؟.. ألا يتعامل مع قيادات نسائية «من خرابات البيوت» فى وظيفته الحالية؟.. يجيب علينا «أحمد إبراهيم».. بالنموذج المثالى فى نظره: هن نساء بسيطات لم يتعلمن، ترملن، ولكنه يحترمهن ويكتب عنهن.. لماذا؟ (لأن إحداهن لم تطالب بحق السعى أو الرضاعة أو المساوة فى الميراث أو اقتسام أموال زوجها).. كيف نُترجم كلماته تلك: إنها دعوة لعدم تعليم البنات، ورفض لتولى المرأة مراكز صنع القرار (بالمخالفة للدستور والمواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر)، وعليها أن تبقى خانعة راضية بالاستيلاء على ميراثها وعدم مطالبتها بحقوقها الشرعية «الكد والسعاية»، وهذا ما يسمونه «دس السم فى العسل»!
الزميل فخور جداً بمن تعمل بالصيد أو تحمل صندوق ورنيش لأنها لا تحطم غرور الرجل ولا تهدّد عرش الطاووس.. لكنه مغلول ومقهور من (سيدات مجالس جمعيات المرأة)، وحتى يحفظ كبرياءه يتهمهن بالسكن فى القصور والشقق الفخيمة، والجلوس فى المكاتب المكيفة، والتحرك بالسيارات الفارهة، (شىء مخجل ومهين ومحرج هاهاها)، هذا يسمونه «حقد طبقى»: هل كثير على المرأة أن تسكن بيتاً محترماً «من شقاها»، فكما وصفتهن «مطلقات» أو من ميراثها أو من عملها «سفيرة لمصر لدى الأمم المتحدة»؟!
لماذا نهدم كل رمز جميل فى بلادنا، وأنت تعلم أن حضارة المجتمعات تُقاس بمكانة المرأة فيها.. لماذا تهيل التراب على كل إنجازات نظام 30 يونيو لتحقيق المساواة «مادة 11 من دستور البلاد»؟.. أعتى عتاة السلفية والتطرف لم يكن ليكتب هذا!
أستاذ «أحمد إبراهيم»: من أنت؟