الأربعاء الماضى كنت فى مكتب «النائب العام»، أتقدم ببلاغ ضد صيدلية «سيف»، ومقرها شارع الميرغنى - مصر الجديدة، ومالكتها الدكتورة «فاتن عبدالرحمن».. كنت أشعر بأن «الفساد» قد تمكن من العمود الفقرى للدولة، وتحول إلى سرطان لا يمكن أن نهزمه، وأن من خلفه ترسانة قوانين وكتائب مرتشين تجعل الفساد ممنهجاً ومشرعناً وأقوى من صرخات ملايين الضحايا الذين يتربّح من دمائهم، وآلاف الأرواح التى تضيع «مجاناً» ليتربع أباطرة الفساد فوق رؤوس العباد.. مثل مصاصى الدماء يواصلون «حالة السعار» التى دفعتهم للفتك بالأبرياء!.
أمام السيد وكيل النائب العام رويت القصة ببساطة، رغم ما فيها من ألم ومن ثمن فادح سددته من أعصابى وصحتى، تماماً كما قرأتموها بجريدة «الوطن» بتاريخ 29 يوليو الماضى تحت عنوان: (ليست نكتة: الدواء به سم قاتل).. وسلمت للنيابة ما تحت يدى من أدلة مادية تؤكد صحة الواقعة، وكنت أتابع تحريزها، وكأنما أودعت فيها صرخاتكم وشكاواكم التى تجاوزت الآلاف فى التعليق على مقالى!.
أكثر من عشرين يوماً وأنا أتابع حال «الأجهزة الرقابية» على سوق الأدوية فى مصر، وأتأمل التصريحات الوردية و«الأفعال الهلامية».. لقد كان أول ما فعلته، (عقب اكتشافى أن عقار التاميفلو الذى باعته لى صيدلية «سيف» إما مغشوش أو فاسد، أو فى أهون الأحوال فاقد الفاعلية ومهرّب)، كان أن اتصلت بنقابية بارزة أسألها عن الجهة التى يحق لها التفتيش على الصيدليات؟. وكانت نصيحتها أن أنتبه إلى فحوصاتى وصحتى أولاً ثم أبلغ.. وقتها لم تُشر إلى جهة إلا «النائب العام».. ولم أتعجب، لأننى عادة ما أقول إن القضاء هو حائط الصد الأخير فى مصر.
لكن نقيب الصيادلة الدكتور «محيى إبراهيم»، دخل وعلق على البوست (أى المقال) الذى تجاوز إعادة نشره نحو 13 ألف مرة، ووعد بالتحقيق، وبعدها تواصل معى هاتفياً الدكتور «أحمد أبودومة»، عضو مجلس نقابة الصيادلة، وأصدر بياناً عنترياً باسم النقابة.. ثم فوجئت بالسيد النقيب يغسل يديه من صيدلية «سيف»، لأنها ضمن «سلسلة صيدليات مشهورة»، وهو ما يجعلها «غير قانونية»، وغير خاضعة، أو عضو فى النقابة (!!).. فهل المطلوب أن نجمع من كل قبيلة «تضرّرت» رجلاً ونغلقها بأنفسنا.. أم الواجب أن يتحرّك النقيب لغلق السلاسل الشهيرة التى تعمل بالمخالفة للقانون؟!.
أما وزارة الصحة (وهى الجهة الوحيدة التى لديها إدارة للتفتيش على الصيدليات)، فقد تواصلت معى برسالة مختصرة، (بواسطة الفيس بوك)، من الدكتور «عادل وجيه محمد»، مفوض عام مساعد الصحة بالقاهرة، (وهو منصب لم أفهمه)، لكنه ربما نظراً لضيق وقت سعادته كتب يقول: إنه (تم اليوم متابعة شكوى حضرتك من قبلنا).. ثم صمت، آه والله.. رغم أنهم لم يحصلوا على العقار لتحليله وبيان فساده من صلاحيته، بعدما حاولت تحليله بنفسى أمام أكثر من جهة!.
إذاً، ماذا سأفعل فى آلاف الأشخاص الذين وضعوا ثقتهم فى، وسلمونى شكاواهم مكتوبة على الفيس بوك؟.. هل سأقرأ عبارات السادة المسئولين الرنانة وأصفق لنفسى؟.
ما قيمة الكتابة فى بلد يقرأ ويرد على الكاتب.. ثم لا يفعل شيئاً؟. ما قيمة «وزارة الصحة والسكان» إن كانت عاجزة عن تقديم الأدوية مجاناً للمرضى.. أو توفيرها «سليمة» مقابل ثمن عادل؟. بالمناسبة، هل السيدة الوزيرة الدكتورة «هالة زايد»، وزيرة الصحة والسكان، معنا، أم أنها فى وادٍ آخر.. هل تسمع صرخات ضحايا تقصير «إدارة التفتيش»؟.. هل سألت نفسها عن أسباب الإهمال أو التقصير أو تحصين «مافيا الأدوية»؟.
هل سيادة الوزيرة التى أرهقت نفسها بزيارة القيادات الروحية، يمكن أن تذهب إلى الجهة التشريعية، وتقول فى «مجلس النواب» إنه لا يجوز قمع الغش والتدليس فى صناعة وبيع الأدوية بالقانون 48 لسنة (1941).. لأنه قانون «عجوز وعاجز».. وعقوباته شاخت بين مواد أوراقه الصفراء الذابلة.. حتى لو تم تعديل بعض مواده بالقانون رقم 281 لسنة 1994؟.
هل تدرك الوزيرة أن غش الأدوية قضية «أمن قومى»، وأن عليها منع الترخيص بـ«مخازن الأدوية»، التى تتحول إلى مصانع بئر السلم لتعبئة الأدوية المغشوشة والمهرّبة؟
هل فكرت الدكتورة «زايد» فى سمعة مصر لو علمت شركة «هوفهمان - لاروش Roche» السويسرية، بما يحدث من تقليد وغش لمنتجاتها فى بلادنا؟.
هل من العدل، يا فخامة الرئيس، أن يموت شعبك ضحية الفساد وانعدام الرقابة والقوانين الصدئة والضمائر الميتة..
إنها «صرخة شعب» تاجروا فى لحمه وباعوه ثم سمموا ما تبقى منها!.
فأغثنا يا سيدى.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع