بقلم : سحر الجعارة
هل يجوز أن نحتفل بـ«يوم اليتيم» ونحن نتابع كل يوم كيف تحولت دور الأيتام إلى «سلخانات»، تمارس فيها كل أنواع الانتهاكات من تعذيب وضرب وسحل للأطفال، وتضيع فيها كل معانى الرحمة والإنسانية.. ويتحول فيها الطفل إلى «سبوبة» تستغله «جمعية خيرية ما» لجلب التبرعات.. بينما المتبرع الذى استجاب لعذابات الأيتام يتابع فى الصحف كم الاختلاسات فى هذه الدور، مع أنها تحت رقابة «وزارة التضامن الاجتماعى».. وكأن التعذيب والغش والاختلاس أصبح «أسلوب حياة»؟!.
لقد تعمدت ألا أذكر أسماء الجمعيات الخيرية أو دور الأيتام جميعها، سواء التى تعتنى بالطفل وتهتم بتعليمه وصحته وأخلاقه.. أو التى تحولت إلى «أوكار» تستغل الأطفال فى الدعارة والتسول والاتجار بالبشر.. ويكفى أن تكتب على محرك البحث «جوجل» عبارة «تعذيب الأطفال فى دورالأيتام» لتكتشف مهازل يندى لها جبين البشرية.. ورغم ذلك تقام المهرجانات والاحتفالات كل عام، (فى أول جمعة من أبريل)، باعتبارها «فرصة» لتسليط الأضواء والكاميرات على نجوم الفن والإعلام والسياسة، وهم يتبادلون الصور التذكارية مع الأيتام.. ثم تطفأ الأنوار ليعود اليتيم إلى الوحدة والعوز العاطفى والمادى!.
لقد تم الإعلان عن اليوم العالمى لليتيم، من قبل مؤسسة «ستار فونديشن» البريطانية، ثم قامت إحدى الجمعيات الخيرية المصرية بحدث استثنائى فى عام 2004، فنظمت وقفة لـ5 آلاف طفل مصرى تحت سفح الهرم، حاملين أعلام مصر فى يوم اليتيم، وبهذه الوقفة الرمزية دخلوا موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية وأصبح بعدها الاحتفال بيوم اليتيم عالمياً.
أنا لا أنكر جهود بعض الجمعيات الخيرية فى رعاية الأيتام الأسوياء والأيتام المعاقين، وتوفير أمهات بديلات ومجموعة متكاملة من المشرفين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين لتقديم الرعاية المتكاملة للأطفال، والاهتمام بمشروع الأسر البديلة تحت رعاية «وزارة التضامن الاجتماعى».. وكذلك مساعدة الفتيات اليتيمات على نفقات الزواج، لكننا بحاجة إلى ثقافة عامة فى كل بيت يتعامل مع أيتام، لو توافرت هذه الثقافة لما أصبحت ظاهرة «أطفال الشوارع» جزءاً من نسيج المجتمع المصرى.
«أطفال الشوارع» دليل على تقصير علماء الإسلام فى توعية المسلم بحق اليتيم: قال الله تعالى: «وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ»، وقال عز وجل: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ»، صدق الله العظيم.
وقال سيدنا «محمد» صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى»، صدق رسول الله.
كل مصرى يستطيع أن يرفع القهر عن قلب يتيم، ليس بالمال والتبرعات و«الشو الإعلامى» بل بالمعاملة الكريمة والإنسانية الرفيعة والحب الخالص، حتى لو فكرت فى أبناء الشهداء، من «الجيش والشرطة»، ستجد أن عائلات فقراء المجندين بأمس الحاجة لمن يرعى أيتامهم.. سواء مادياً أو إنسانياً، ولكن ما يحدث هو العكس، ادخل على صفحة «أطفال مفقودة» على موقع «الفيس بوك»، لترى فيديو بشعاً لعملية تعذيب جماعى داخل إحدى دور رعاية الأيتام بمنطقة مصر الجديدة، والفيديو صورته إحدى المشرفات بالدار، لأنها تعترض على سياسة الضرب والتعذيب للأطفال، وقالت إن السبب فى تعذيب الفتيات اللاتى ظهرن فى الفيديو أنهن لم يقمن بمسح سطح الدار فى الصباح الباكر أو يلعبن مع زملائهن أو أن طفلة منهن غلبها النعاس قبل أن تنظف الحمامات.. أما أساليب العقاب الوحشى فكما تقول المشرفة: (ممكن يحطوا الشطة فى فم البنات عشان عملوا حاجة غلط.. وأيضاً الضرب المبرح الذى قد يصل إلى حد كسر العظام كما حدث منذ فترة مع إحدى الفتيات التى كسر عظم ذراعها بسبب الضرب).. فهل هذا الواقع الهمجى يمكن أن تقام فيه احتفالات بيوم اليتيم؟
لقد قال الدكتور «على جمعة»، مفتى الجمهورية السابق، فى برنامج «والله أعلم»، المُذاع عبر فضائية Cbc: (إن دور الأيتام لا تصلح لتربية الأطفال، لأنها تحتاج لقواعد حادة وجادة للضبط وللحفاظ على حياتهم وتعليمهم، ومن أجل هذه الضوابط يعيش الطفل فى عدم حنان ولا أمان، فضلاً عن حدوث تجاوزات).. وأضاف مفتى الجمهورية السابق: (لو فرضنا عدم حدوث تجاوزات تظل دور الأيتام أسوأ بكثير من الأسر البديلة، لأنها عبارة عن حبس الأولاد فى معسكر، ولو أضيفت تجاوزات لأصبحت كارثة).
لقد كرم الرئيس «عبدالفتاح السيسى» السيدة نعيمة طه أحمد (وهى أم بديلة)، فى يوم الاحتفال بالأمهات المثاليات، وهو ما يؤكد نجاح هذه الفكرة.. أما استغلال الأطفال دون رحمة فى «سجون دور الرعاية» فهو كارثة يجب أن تتصدى لها الدولة بكامل أجهزتها ليصبح ليوم اليتيم معنى.
اليتيم ليس بحاجة إلى مهرجانات بل بحاجة إلى «قانون» فاعل يحميه.. بحاجة إلى يد حانية وعقل مستنير وقلب نقى.. وهذه هبات ربانية هى التى تجعل من الإنسان «إنساناً».
نقلاً عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع