بقلم - سحر الجعارة
من الصعب أن تتجاوز هزائمك فى الطفولة، وأن تتحدى كل مآسى المجتمع التى مرت بها طفلة واحدة فى مجتمع لا يزال ينظر إلى السود نظرة متدنية.. وأن تختار «الإعلام» مهنة، وهو تحدٍّ يتجاوز قدرات الإنسان العادى.. فمن قال إنها «عادية»؟ إنها «أوبرا وينفرى».. الطفلة التى نشأت فى عائلة مفككة وعانت مرارات الاغتصاب والتحرش، إلا أنها قررت أن ذلك لن يعوقها عن استكمال مسيرة التعليم، لكنها عانت فى المدرسة الابتدائية بسبب تنمُّر زملائها عليها نظراً لبشرتها غير البيضاء، فطلبت من مدير المدرسة نقلها لمدرسة أخرى، إلا أن ذلك لم يكن متاحاً فأكملت فى نفس مدرستها وكتمت بداخلها أحزانها كالعادة، وفى المدرسة الثانوية كانت قد فرضت شخصيتها على من حولها، وظهر نبوغها وتفوقها بين زملائها.
وهو الأمر الذى جعل زملاءها يطلقون عليها لقب الطالبة الأكثر شعبية. فى ذلك الوقت استطاعت «وينفرى» اكتساب محبة كافة الأساتذة والتلاميذ والزملاء، وكانت تشجع زملاءها ليحضروا معاً حفلات نجم البوب العالمى مايكل جاكسون.وبعد إخفاقات كثيرة فى اقتحام عالم الإعلام جاءت اللحظة الفارقة فى مسيرة أوبرا وينفرى عندما قدمت برنامجها الشهير The Oprah Winfrey Show. لقد فتح لها هذ البرنامج أبواب المجد والشهرة وحقق مشاهدات عالية خلال فترة وجيزة.
وبلغ من شهرة هذا البرنامج أنه تم بثه عبر 125 قناة وتجاوز عدد متابعى برنامجها 10 ملايين مشاهد، وخلال فترة وجيزة استطاعت وينفرى الحصول على ملكية برنامجها. وبمرور الوقت تحول برنامج أوبرا وينفرى إلى جزء أصيل من الثقافة الأمريكية، وزاد من شعبية برنامجها نجاحها فى إعداد حلقات شهيرة مع نجوم المجتمع الأمريكى.
وقد أصبحت أوبرا وينفرى ثالث امرأة تمتلك شركة إنتاج فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى شركة هاربو، وبفضل هذه الشركة أصبحت وينفرى أول مليارديرة سوداء البشرة، وكأنها فعلت كل ذلك لتضعه فى «خدمة الإنسان»، اتجهت أوبرا وينفرى للمشاركة المجتمعية والإسهام فى تحسين التعليم والعلاج لآلاف الفتيات فى الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وفى سبيل ذلك تبرعت بملايين الدولارات، إلى جانب مساعداتها لضحايا إعصار كاترينا.
وقد تطوعت أوبرا وينفرى للمشاركة فى المبادرات الاجتماعية التى تقدمت بها عدة مؤسسات أمريكية، كما أن لها علاقات وثيقة بهدف خدمة المجتمع مع ليندا جيتس ووارن بافيت وغيرهما من المشاهير الذين يتبرعون بحصص كبيرة من ثرواتهم للأعمال الخيرية بداخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية.من بداية عام 1995 حلت أوبرا وينفرى ضيفة على قوائم مجلة فوربس المتخصصة فى المال والأعمال ضمن قوائم النساء الأكثر ثراء فى العالم، فقد تجاوز دخلها السنوى نحو 225 مليون دولار فى 2006.
وكانت عائدات برنامج The Oprah Winfrey Show مصدراً أساسياً لثروة أوبرا وينفرى، وكان هذا البرنامج بوابتها للحصول على جوائز إيمى، وبحسب تقرير مجلة فوربس عام 2005 فقد أصبحت أوبرا وينفرى ثانى أكثر الشخصيات تأثيراً فى العالم، وفى نفس العام احتفلت بها مجلة «بيزنس ويك» كأفضل فاعل خير فى الولايات المتحدة الأمريكية.أن تحول كل العذابات التى عشتها إلى «طاقة عطاء»، وتجعل من تعرضك للإيذاء فى الطفلة حافزاً لمحاربة العنصرية والإيذاء الجنسى للأطفال وأن تعمل حتى على حماية حقوق الحيوانات، ومن قبلها تنفق من مالك الخاص الملايين لبعثات دراسية لغير القادرين (450 طالباً) وتتبرع لمرضى كورونا.. هذا هو «التأثير» والمعنى الحقيقى لمؤثر فى المجتمع وفى الإنسانية.
كيف تحاور الرؤساء والمشاهير، وتكرس لمدرسة «البوح» أو الاعتراف فى الإعلام ثم تسخِّر كل ما جنيته من شهرة وأموال لخدمة الإنسان.. أوبرا لم تشترط لوناً ولا ديناً فى إنسان لتساعده.. كانت تمد يدها للارتقاء بالبشرية ثم تجد من يقول فى بجاحة وغلظة: لن يدخل الجنة إلا مسلم.. لكن الله سيكون له رأى مختلف.