بقلم : سحر الجعارة
بالصدفة ضمتنا طاولة واحدة، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، مع وزير النقل والمواصلات الدكتور «هشام عرفات»، وكان معى عدد من كبار الكتاب والإعلاميين منهم: (مجدى الجلاد، د. ياسر أيوب، إبراهيم حجازى).. الحوار الذى بدأ -بالضرورة- بزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق، تطرق للحديث عن استكمال مراحل المترو، وعن المشروعات العملاقة للطرق والأنفاق والكبارى.. وكان لا بد أن تقف محطة الحوار طويلاً عند قطارات «السكة الحديد» المتهالكة، وحوادث القطارات المتكررة، وعشوائية تعامل المواطن مع منشآت حيوية مملوكة له بحكم الدستور.
وهنا تذكرت مع الكاتب الصحفى «مجدى الجلاد» الحادث المروع، الذى وقع خلال حكم المعزول «مرسى»، حين صدم قطار طائش -آنذاك- أوتوبيساً لمدرسة أطفال.. ويومها كنا على الهواء معاً.. وفقدنا صلابتنا تباعاً فبكينا من مشاهد جثث الأطفال البريئة وصرخات الأسر الملتاعة على الهاتف.
قلت لسيادة الوزير، بألم حقيقى، إن كل ما تم من إنجازات فى مجال النقل والمواصلات تطيح به روح واحدة تسقط تحت عجلات قطار، أو حادثة مفجعة تهز مصر، لأن منظومة «السكك الحديدية» لا تزال تعمل «يدوياً» وتعتمد على العنصر البشرى.. والإنسان أضعف من المسئولية، لأنه يترك موقعه ليصلى أو لأى سبب آخر!.
كنت مبهورة بالطريق الجديد الذى يصل القاهرة بقويسنا، حين كنت فى طريقى إلى بلدتى «طنطا»، وكان الوزير فخوراً به.. لكننى فاجأته بسؤال حول «مزلقانات الموت» المفتوحة على الطريق.. لم يحدثنا وزير النقل عن مباحثاته مع وفد من شركة «ساب العالمية SAP» لبحث التعاون فى مجال «التطبيقات الذكية» فى إدارة الموانئ والسكك الحديدية، ولا عن جهود الوزارة لرفع كفاءة البنية الأساسية لشبكة السكك الحديدية، التى من أهمها مشروعات تجديد خطوط السكك الحديدية بما يحافظ على سلامة مسير القطارات.. لكنه قال: «هل تعلمين أن الأهالى يفتحون بأنفسهم معابر على مسارات القطارات»؟!.. نعم أعلم وأرى بعينى، وهذا معناه ببساطة «غياب القانون».. وهذا أيضاً مسئولية الحكومة!.
لماذا تذكرت هذا الحوار الآن؟.. تذكرته حين قرأت حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، بإلزام محافظ الدقهلية بدفع المبلغ التعويضى المنصوص عليه فى قرار وزير التربية والتعليم «3 آلاف جنيه»، للتلميذ «وليد فتحى إبراهيم» المقيد بالصف الثانى الإعدادى عام 2000، الذى توفى أثناء عودته من المدرسة، إثر غرقه بعد سقوطه فى ترعة.
وذكرت المحكمة فى أسباب حكمها أن: (المادة 2 من قرار وزير التربية والتعليم على أن يكون التعويض لأهالى التلاميذ الذين يؤدون الاشتراك فى التأمين ضد الحوادث فى حالات الوفاة، العجز الكلى المستديم، العجز الجزئى المستديم، ولكن بشرط أن تكون الإصابة أو الوفاة نتيجة حادث وقع للتلميذ أثناء وجوده فى المدرسة، أو معسكر مدرسى، أو رحلة تشرف عليها المدرسة، أو أثناء ذهابه وإيابه من المدرسة دون انحراف عن الطريق المُتبع).. وقد رأينا فى أكثر من برنامج الأطفال فى القرى الفقيرة يسيرون عدة كيلومترات، ويعبرون الترع والمصارف بـ«معابر خشبية».. ويجتازون قضبان القطارات دون خوف أو تردد.. فهل هذا ما تعتبره وزارة التربية والتعليم: «الطريق المتبع»؟!.
أليس ضبط علاقة الناس بالطرق مرتبطاً جذرياً بتحسين الطرق؟.. لقد وصل الحال إلى اختراع الناس لـ«مطبات صناعية» طبقاً لاحتياجاتهم على الطرق السريعة، وإنشائها بشكل عشوائى وغير ممهد ما يهدد بانقلاب أى سيارة مسرعة على الطريق.. لا بد أن نعترف بأن سلوكيات الشعب غير حضارية بل وعدوانية.. فالطفل الذى يتسلى بتجريح دهان السيارات بعملة معدنية، وتمزيق كسوة كراسى القطارات، هو الذى امتلك الطرق السريعة بـ«البلطجة».. فصنع لنفسه مزلقانات شعبية ومطبات صناعية واحترف جر بهيمته فى مواجهة السيارات.. فإذا صدمتها تخرج قرية بأكملها لقتل السائق وتحطيم السيارة وقطع الطريق وأخذ «الدية» عنوة.. فهل هذا مجتمع سمع ولو بالصدفة عن «القانون»؟.
الطرق الحضارية تحتاج فى البداية لـ«مواطن متحضر»، والفقر ليس مبرراً لخرق القانون.. فنحن نصنع العشوائيات ثم نشكو منها!!.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع