بقلم : سحر الجعارة
قطعا هناك حالة تربص بعودة الإعلامى الكبير «إبراهيم عيسى» إلى الشاشة، ببرنامجه «مختلف عليه» الذى يذاع على قناة «الحرة»، فلقد سبق أن كلف الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر المكتب الفنى بمشيخة الأزهر بجمع التسجيلات المنتشرة للكاتب الكبير «إبراهيم عيسى» حول (إنكار عذاب القبر أو عذاب تارك الصلاة)، وغيرها من الأحاديث، لعرضها على مجمع البحوث الإسلامية لاتخاذ الإجراءات القانونية!.
كما سبق أن أُبعد «عيسى» من قناة «القاهرة والناس»، بعد حملة من مجلس النواب تتهمه باتهامات من عينة: (نشر أكاذيب تهدف لهدم الدولة، والإساءة للبرلمان)!. تزامنت مع ضغوط أخرى بسسب موقفه النقدى من «التراث الفقهى»، وهجومه المستمر على مؤسسة الأزهر، بمن فيها من علماء ينتمون للإخوان!.
لكنه لم يهزم ولم يستطع أحد أن يخرس «عيسى» خلال فتره ابتعاده عن الشاشة، لأنه يمثل تجربة شديدة الخصوصية فى عالم الصحافة،( بما لها وما عليها)، لم تكن تجربة ملائكية الصفات بقدر ما كانت مشاغبة تحرك العقل والوجدان والضمير.. بل خرجت روايته «مولانا» فى هيئة فيلم سينمائى.. ثم أصدر كتابه «رحلة الدم».. وظلت جريدته «المقال» من أهم إصدارات الرأى المؤثرة فى البسطاء قبل النخبة.
لقد تعلم «عيسى» الدرس جيدا، واستوعب فكرة أن (الكلمة أقوى من الرصاص)، منذ صودرت جريدة «الدستور»، وقت أن كانت تصدر من قبرص.. وحين أطل فى برنامجه الجديد ليتحدث عن حكمة الصيام.. قال «عيسى» إنه بحث كثيرا، واستمع إلى آلاف الخطب التى يقولها الوعاظ والعلماء، وأضاف أننا سمعنا أن «حكمة الصيام» أن نشعر بالفقير وأنه «صحى».. لكن العلم نسف كل هذا وأدركنا أن الصيام متعب للصحة، كما أدركنا أن «شهر رمضان» كاشف لفروق طبقية واجتماعية هائلة.. وقال «عيسى»: (لم أر فى صيام رمضان حكمة إلا أنه قرارسيادى من الله: افعل وصم.. فنفعل ونصوم دون أن ندرك حكمة الصيام)!.
ولخص «عيسى» فكرته قائلا: (الحكمة الحقيقية من الصيام.. أنك عبد لله، والعبد يسمع أمر الله: صوموا فنصوم).. وهنا أشهر البعض سيوفهم وسنت السكاكين لذبح «إبراهيم».. واشتعلت النيران بين العلماء وحتى على مواقع التواصل الاجتماعى.
نحن لم نعتد أن يناقش أحد «أركان الإسلام الخمسة»، ولا أن «يختلف» أحد مع تفسيرات الفقهاء فى أمور تتعلق بـ «ثوابت الدين».. وأنا شخصيا لن أخوض فيها.. فقط سأشرح ما فهمته من كلمات «عيسى».
إنه ببساطة يتحدث عن مفهوم «طاعة العبد لله»، فالآية الكريمة تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) سورة الأحزاب:71-72.. والطاعة هنا ليست مرهونة بفهمك أو فهمى للحكمة من العبادات، بقدر ما ترتبط بصحة تأديتها، وصفاء نيتك فى «العبادة»!.
فكثير من الأميين يؤدون الصلاة دون أن يحفظوا إلا آيات قليلة، وقد يخطئون فى قراءتها، لكن بعض الفقهاء يرون حتى فى «التأتأة» فى تلاوة القرآن «ثواب».. ومن سبق أن أدى شعائر الحج لا يعلم لماذا نطوف بالكعبة المشرفة «عكس عقارب الساعة»، لكنه يتم شعائر الحج كما أمرنا به دون أن يحتاج إلى تبرير.. وأيضا سنجد فى «مسلم والبخارى» موقف سيدنا عمر بن الخطاب «رضى الله عنه، عندما ذهب إلى الحجر الأسود فقبله.. ثم قال: (إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).. وهذا أيضا دليل الطاعة المطلقة واتباعا لسنة النبى (عليه الصلاة والسلام).. مصداقا لقول الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) سورة النساء: الآية 80.
لم يكفر «عيسى» بفريضه الصيام، ولا أنكرها، ولا دخل بقدميه خندق «ازدراء الأديان».. إن كل ما فعله هو التأكيد على فهمه للعبودية المطلقة للخالق.. والتأكيد على أن فى الإسلام أمورا يجب تدبر وفهم حكمتها.. وعبادات تأخذها دون نقاش لأنها «أوامر من الخالق».
فصياما مقبولا بإذن الله.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع