توقيت القاهرة المحلي 14:49:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أعملوا عقولكم أيها البشر

  مصر اليوم -

أعملوا عقولكم أيها البشر

بقلم - سحر الجعارة

هل العلمانى بالضرورة ملحد؟؟.. وهل التنوير يسعى إلى إلغاء الأديان من الحياة أم إلى تقويض سلطة «رجال الدين».. سأحاول الإجابة ببساطة عن هذه المفاهيم منذ نشأتها: التعريف الشائع للعلمانية هو فصل الدين عن شئون الدولة، وتختلف مبادئ العلمانية باختلاف أنواعها، فقد تعنى عدم قيام الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ على اعتناق وتبنّى معتقدٍ أو دينٍ أو تقليدٍ معينٍ لأسباب ذاتيّة غير موضوعيّة. كما تكفل الحقّ فى عدم اعتناق دينٍ معيّنٍ وعدم تبنّى دينٍ معيّنٍ كدينٍ رسميٍّ للدّولة.. الخلاصة أنها تخلص الأنشطة البشرية والسياسية من سطوة المؤسسات الدينية.

لهذا عمدت المؤسسات الدينية إلى نشر الخلط الشائع بين «العلمانية والكفر»، وتعمدت تكريس الفكرة بين العامة والبسطاء لرجم رموز العلمانية ووصمهم والابتعاد عن أفكارهم «المحرّمة» والركوع فى محراب رجال الدين.

هذا لا يعنى أن «اللادينية» عار يجب التطهر منه أو إنكاره، فالعلمانية كما تعرّفها «دائرة المعارف البريطانية» هى: (حركة اجتماعيّة تتّجه نحو الاهتمام بالشّئون الدُّنيويّة بدلاً من الاهتمام بالشّئون الأخروية).

وإذا أيقنا أن «الليبرالية» أحد أعمدة النظام العلمانى، فبالقطع العديد من منظّرى العلمانية وفلاسفتها المؤسسون من أعلام «الفكر الحر» خلال العصر الحديث «لادينيين».. لكن هذا لا يمنع من دعمهم للدين.

فى مصر وفى الوقت الحالى سوف تجد معظم العلمانيين هم الأكثر دفاعاً عن المسيحيين، أولئك الذين يعانون من التضييق عليهم فى بعض دول الشرق الأوسط أو الوصم والتهجير أحياناً.. فالعلمانية تحمى «الحريات الدينية» وحرية ممارسة الشعائر الدينية، لكنها تضع فواصل محددة بين الدينى والدنيوى.. وبين «حرية الاعتقاد» كأحد حقوق الإنسان وبين تحويل معتقدك إلى مبرر وأداة لإيذاء الآخر وحرمانه من حقوقه.

ارتبط «عصر التنوير» كحركة أوروبية فكرية علمية معروفة بكتاب «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» الذى ألفه نيوتن عام 1687.. ويشتمل التنوير - منذ نشأته - على مجموعة من الأفكار التى تركز على سيادة العقل والأدلة على الحواس بوصفها مصدراً أساسياً للمعرفة، وعلى المثل العليا كالحرية والرقى والتسامح والإخاء والحكومة الدستورية وفصل الكنيسة عن الدولة.. وتضمنت المبادئ الأساسية لفلاسفة التنوير فى فرنسا الحرية الفردية والتسامح الدينى، مقابل الملكية المطلقة والعقائد الثابتة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

لهذا برزت مقاومة شرسة من المؤسسات الدينية للتنوير، فهاجس ما حدث للكنيسة يطاردهم: أنت لا تستطيع أن تقول لرجل الدين لا تخرج الدين من مسجدك أو كنيستك.. مع ملاحظة أن المؤسسات الدينية فى العالم العربى تحظى بميزانيات ضخمة، ولديها خبراء فى شتى المجالات وأبواق إعلامية وهيئات ومنظمات.. كل هذا يمكّنها من الدفاع عن سلطتها ووصايتها على البشر.. فهى مكانة تنافس السلطات الحاكمة فى بعض الدول وتشكل «سلطة موازية» تتحكم فى مجريات الحياة الاجتماعية والاقتصادية السياسية.. بل وتخترق برجالها معظم المؤسسات الرسمية للدولة.. إنه نفس منهج «الإسلام السياسى».

حين سئُل «إيمانويل كانت» ما هو التنوير؟ أجاب بقوله: «إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلى وبلوغه سن النضج أو «سن الرشد»، كما عرَّف القصور العقلى على أنه «التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصى أو السلوك بدون استشارة الشخص الوصى علينا» ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: (أعملوا عقولكم أيها البشر.. لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم.. فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب).. كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين: التنوير لا يعادى الأديان بل يعادى هيمنة رجال الدين على الإنسان.

لم يكن «التنوير» مجرد صرخة فى وجه رجال الدين ورفض لمنهجهم، بل كان محاولة لفصل الدينى عن الدنيوى.. إنه حركة عقلانية تعلى قيمة العلم والتجريب فى مواجهة تراث ضخم من الخرافات والغيبيات التى لا تخضع.. ولهذا يشعر رجال الدين بالتهديد لأن «المادة الخام» لتجارتهم وسلطتهم تتبخر أمام العلم التجريبى.. وهكذا تمحور الصراع حول «الدين» مع اهتمام ملحوظ بـ«الحركة النسوية» التى ترتبط أيضاً بمفاهيم دينية.. وتراجعت الأبعاد السياسية والاجتماعية من أجندة التنويريين، الذين لا يجمعهم لوبى ولا هيئة ولا جمعية أهلية.. وربما يتناحرون فيما بينهم.. وهذا يحتاج لمقال آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعملوا عقولكم أيها البشر أعملوا عقولكم أيها البشر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon