من قال إن «حسن البنا» قد مات؟!.. فكر مؤسس الجماعة الإرهابية يسرى فى دماء كل من انتمى يوماً للإخوان، أو عاش فى أحضانهم وتذوق أموالهم الممزوجة بالدم.. لكننا اخترعنا كلمة «منشق».. وصدقنا أكذوبة «التوبة» والانفضال عن الجماعة، وبالتالى تحول «كمال الهلباوى» من قيادى بـ«التنظيم الدولى للإخوان» إلى القيادى المنشق الذى ينظر فى السياسة والدستور ويفتى فى شئون الدولة على كل الشاشات المصرية!.
وأخذتنا «الغفلة»، بعد أن صنعنا «الأكذوبة» وصدقناها، إلى درجة أننا اخترنا «الهلباوى» فى لجنة الخمسين لإعداد دستور 2014، حيث كان واحداً من أبرز أعضائها.. ثم أصبح عضواً بالمجلس القومى لحقوق الإنسان.. وبحسب التعبير العبقرى للكاتب الكبير «وحيد حامد» تعليقاً على (خدعة الانشقاق عن الجماعة): الدولة للأسف «بيتنصب عليها»!.
لقد تعامت الدولة عن خطورة الفكر التكفيرى يوم أن قبلت بما سُمى «المراجعات».. ومدت يدها لتصافح (عاصم عبدالماجد وعبود الزمر وطارق الزمر وغيرهم) خلف القضبان.. وصدقت «مزاعم التوبة»، وكأنها كانت تريد علاجاً للصداع فتجرعت «السم» باختيارها.. وخرجت أفواج التائبين لتقود العمليات الإرهابية فى أنحاء مصر.. بعد أن صدرت لهم قرارات العفو بعد يناير عام 2011.
لكن الشعب المصرى لم يسلم عقله لأكبر عملية نصب فى تاريخنا المعاصر، وثار على الفاشية الدينية، وجاء نظام 30 يونيو ليصنف الإخوان «جماعة إرهابية».. دون أن يتخذ أى إجراءات تعسفية ضد الخلايا «النائمة والنشطة» داخل مؤسسات الدولة، فكان الخيار للشعب الذى «عزل الجماعة» شعبياً وسياسياً.. وكان «الإقصاء» قراراً شعبياً.. دون أى «صدام دموى» مع الجماعة التى روعت مجتمعاً بأكمله وأسقطت الشهداء من الشباب الأبرياء وقوات الجيش والشرطة.. فأهدر الشعب آخر فرصة للجماعة الإرهابية التى حاولت بكل السبل إغراق مصر فى الفوضى وإشعال الحرب الأهلية.
اليوم يأتى «الهلباوى» ليساوى بين الدولة بكامل هيبتها وسيادتها، وبين جماعة منبوذة فى العالم العربى بأكمله، مستغلاً «طيبة المصريين» أو تسامحهم، الذى دفعهم للتعامل بحياد مع المنتمين للجماعة أو المتعاطفين معها والاكتفاء بإسقاط نظامها السياسى.. واقترح «الهلباوى» تشكيل «مجلس حكماء يضم شخصيات عربية ودولية» تقود ما سماه عملية «المصالحة الوطنية الشاملة»، لإنهاء ما وصفه بصراع الدولة مع جماعة الإخوان.. وهو نفس ما طرحه من قبل الدكتور «سعد الدين إبراهيم».. لأن «لغة الخطاب» تصدر من التنظيم الدولى للإخوان.
وبالفعل التقى «الهلباوى» بقيادات الإخوان فى الخارج، وعلى رأسهم «إبراهيم منير» القائم بأعمال المرشد، ثم أخذ يروج لفكرته على قنوات الإخوان وأولها «مكملين».. متعمداً إحراج الدولة المصرية ليفرض مشروعه الإجرامى، خاصة أنه يعلم جيداً أن لديه «أذرعاً إعلامية» داخل مصر بعضهم يحتل مناصب قيادية رغم أنهم ساندوا الجماعة فى مواقف كثيرة، وكانوا مع «مرسى» المعزول علناً!.
بداية الحديث عن «مجلس حكماء» من دول خارجية هو اعتداء صارخ على سيادة الدولة المصرية، وتدخل سافر فى شئونها، ثانياً: لو «الهلباوى» طرح «مصالحة» لوجب عليه أولاً أن يوقف نزيف الدم فى «سيناء» ويمتنع «الإخوان» عن العنف والإرهاب على الأقل لإبداء «حسن النية».. أو إطلاق «قنبلة غاز» تعمينا عن الحقيقة.. ثالثاً: كان أولى به أن يطالب الإخوان فى الخارج بأن يسلموا أنفسهم للسلطات القضائية، ليحاكموا ضد ما فعلوه فى حق الشعب ومؤسسات الدولة المصرية.. لكنه يكرس مفهوم المصالحة بـ«لى الذراع».. ومصر لا أحد يفرض إرادته عليها «من الخارج» ولا تذعن لضغوط من «جماعة إرهابية».
القضية ليست فى رفضنا للصفقات السياسية للمصالحة «على الدم».. بل المشكلة أن الإخوان تغلغلوا فى العمود الفقرى للدولة وسكنوا بين ضلوعها لتمارس «الجماعة» الإرهاب كل فترة تقتل وتخرب وتخطط للفساد والإفساد.. والدولة تتساهل معهم وتسمح بشرعية وجود الأحزاب الدينية.. ليخرج علينا المستشار الإعلامى لحزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية «خالد الشريف» ويرحب بمبادرة «الهلباوى»!.
باختصار كل من يدعو للمصالحة مع الإخوان ينقلب على ثورة 30 يونيو ويهدر دم الشهداء الذين دفعوا أرواحهم فداء للبلد من أبناء الجيش والشرطة والمواطنين، بالإضافة إلى أنه يمكن الإرهاب من التهام الدولة.. فى حين أن هناك مبدأ عالمياً بأنه «لا تفاوض مع الإرهاب».. بمعنى أن أسس التعامل معهم بالقانون فحسب.
اقرأوا التاريخ جيداً قبل أن تتناقشوا فى «المصالحة»: لقد حاولت الجماعة اغتيال «جمال عبدالناصر»، وبعد أن قبل وساطة بعض الدول وأفرج عنهم استمروا فى التخطيط للقفز على كرسى الحكم.. وجاء «أنور السادات» وسمح لجماعات «الإسلام السياسى» بالنمو واحتضنهم ليواجه الشيوعيين.. فاغتالوه!.
ويبدو أننا أخطأنا حين اخترنا «سيف القانون» مع الإرهابيين.. وربما كان ينبغى أن نكرر سيناريو «أردوغان» بعد محاولة الانقلاب الفاشل عليه، فنقوم باعتقال وفصل عشرات الآلاف من وظائفهم.. لكن كما قلت سابقاً: «الدولة تربى الثعابين فى أحضانها»!.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع