بقلم :سحر الجعارة
كنت أمسك يدها الرقيقة وهى تتمرن مع النجم الكبير «أحمد الحجار» على غناء أغنية «السعادة» أمام الجمهور لأول مرة، وكانت الإنسانة تغلب النجمة المحترفة «يسرا»، ونحن فى كواليس «دار الأوبرا».. فالكلمات موجعة على بساطتها، والسؤال إجابته شبه مستحيلة.. إنها المرة الأولى التى يفتش فيها أحد عن مفهوم السعادة بين أشواك ورود تبيعها «فراولة» أو فى قصر تعشش فيه عناكب الوحدة والاكتئاب.. هذا ما فعله الشاعر والسيناريست دكتور «مدحت العدل» مع المخرج «خيرى بشارة» فى فيلم «حرب الفراولة».
«السعادة تبقى إيه؟.. إمتى أحس إنى سعيدة ولّا ليه؟.. ليه ساعات القلب يرجع للصبا، تبقى كل الناس لذيذة وطيبة ونجوم سمايا أحس بيها قريبة وإن مهما الكون قسى هأقدر عليه» بحسب ما قاله لى «العدل» أنه كان يتشاور مع «بشارة» ويدخلان فى نقاشات طويلة لتبسيط معنى فلسفى عميق، أما «يسرا» فكانت تنهار فى البكاء كلما بدأت تسجيل الأغنية لتعيدها من جديد.
خبرتى بالأصدقاء «يسرا، مدحت، والنجم محمود حميدة» تجعلنى أحنُّ إلى لقطة قد لا تستغرق ثانية على الشاشة من هذا الفيلم، ثانية يلتئم فيها الشجن بالحب، ويعانق الحزن الأمل، ويدخل العاشقان فى تحدى «صمود الحب أمام المال».. لأنهما لم يدركا أن «السعادة» لا تُشترى ولا تباع.. والحب لا يقبل المقايضة والمساومة، إنه ينهار لحظة دخوله المزاد!
هكذا مر «اليوم العالمى للسعادة» فى 20 مارس دون أن نطرح على أنفسنا السؤال الصعب: هل نحن سعداء؟.. إنه اليوم الذى اعتمدته الأمم المتحدة عام 2012 اعترافاً منها بأهمية السعادة والرفاه.
مفهوم السعادة مثلما تعرّفه الأمم المتحدة مرتبط بـ«مدى رضا الشخص عن حياته».. ومنذ 2012، دأبت الأمم المتحدة على إصدار تقرير لقياس مؤشرات السعادة فى دول العالم، منها «نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، ومتوسط عمر الفرد، وحرية اتخاذ القرارات، وجودة الخدمات الصحية والتعليمية، وانعدام الفساد، وانتشار العدل».
لكن تقرير هذا العام ركز على انعكاسات جائحة كورونا على حياة الناس، وتعامُل الحكومات مع الوباء.. ومن أصل 149 دولة، صُنفت فنلندا أسعد بلاد العالم.
قطاع واسع من المعلقين العرب تندَّروا على مؤشرات السعادة وسخروا منها.. فى حين رأى بعض النشطاء أن المؤشرات الأخيرة تثبت أن السعادة الحقيقية مقرونة بوفرة المال وبمستوى الرفاهية. أما الرضا عن النفس وتحقيق الذات والسلام الداخلى فلم ترد فى قاموس العرب، والحب الذى يعرفونه هو «حب الأهل».. وما بين الرغبة فى الثراء أو الحصول على لقاح كورونا دار مفهوم السعادة المركب عند عقول تتعامل بسطحية مع الحياة نفسها. لاحظ أن الأمم المتحدة تتحدث عن العدل وحرية اتخاذ القرار، لكن يبدو أننا عندما نتحدث عن «فلسفة الحياة» لا نربطها بالحرية!
السعادة التى طرحها د. مدحت تحولت لسلعة فى «سوبر ماركت» تباع فيه الضمائر والذمم والحريات، الشعوب الشرهة للجنس والمال وكل ما هو مادى، والتى تقبل بتزييف الأديان والاتجار بها، ويتحكم فى مصائرها «الدجل السياسى» لا تفتش عن معنى السعادة.. لأنها شعوب لا تحلم أصلاً لتدرك ما ينقصها بالفعل، إنها تحيا على «التقليد» فإن كانت سعادة الآخر فى الفيلا والسيارة والتعليم الأجنبى للأبناء فنحن لا نقل عنه سعادة ورفاهية.. إنها شعوب منحت العقل إجازة مفتوحة.. وهذا سر سعادتهم!.