بقلم : سحر الجعارة
من الصعب التكهن بالمشهد السياسى فى الأيام القادمة، وكأن هناك «مؤامرة خفية» لتصعيد المواقف سياسيا أو عسكريا على كل الجبهات المحيطة بمصر بشكل متزامن.. كان من الصعب التنبؤ باجتياح تركى لليبيا فى جائحة كورونا، لكن «أردوغان» فعلها ودفع باللاجئين السوريين لتحقيق خططه التوسعية.. وبينما مصر منهكة اقتصاديا ومهمومة بمواجهة جائحة كورونا «كوفيد 19 المستجد» تعثرت مفاوضات ملء خزان سد النهضة.. مع بقاء الأزمات المزمنة «الحرب على الإرهاب فى سيناء» والغلاء وحمى البيوت المصرية من شبح «الثانوية العامة».. ومحاولة استعادة الاقتصاد المصرى لعافيته بعد فترة من التوقف ومتابعة المشروعات التنموية.
مصر واضحة فى الدفاع عن أمنها المائى، وقد أعلنت أن قضية المياه أمن قومى، فالدولة لن تتنازل عن حق 100 مليون مصرى، فنوايا إثيوبيا واضحة من البداية مع سياسة ملء سد النهضة بتصرف أحادى، وبالتالى انتهت الاجتماعات الفنية إلى طريق مسدود، بعدما أعلنت القاهرة، فى بيان رسمى، عدم التوصل إلى اتفاق فى أى من النقاط الرئيسية.
كانت المفاجأة فى لجوء مصر إلى «مجلس الأمن»، استنادا للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التى أسست عليها خطابها إلى مجلس الأمن، والتى تنص على أنه: لكل عضو من «الأمم المتحدة» أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أى نزاع أو موقف من النوع المشار إليه فى المادة 34، والتى تنص على: (لمجلس الأمن أن يفحص أى نزاع أو أى موقف قد يؤدى إلى احتكاك دولى أو قد يثير نزاعا لكى يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولى).
وبموجب أحكام المادتين 11 و12 أيضا، يمتلك مجلس الأمن عددا من الخيارات فيما يخص ذلك الخلاف، وكل هذه الخيارات فى مصلحة مصر فيكفى الحصول على توصية أو قرار من مجلس الأمن لوضع إثيوبيا فى موقف الدولة المنتهكة للقانون الدولى، بما يمكن مصر والقيادة السياسية من البناء على هذا القرار فى الخطوات التالية:
- إحالة الخلاف إلى محكمة العدل الدولية باعتبار المسألة خلافاً قانونياً.
- إصدار توصية بالعودة إلى المفاوضات وعدم البدء فى إجراءات ملء السد حتى إبرام اتفاق يرضى جميع الأطراف.
- إصدار قرار ملزم بوقف ملء السد، مع تشكيل لجنة فنية للفصل فى الأمور المختلف عليها. ولعلها المرة الأولى التى يكشف فيها «سامح شكرى»، وزير الخارجية، عن أن هناك وساطة بالفعل جرت من قبل الولايات المتحدة، والبنك الدولى، فى سلسلة من المفاوضات المكثفة التى أسفرت عن اتفاق منصف وعادل، وجرى تضمينه فى الخطاب الذى جرى توجيهه لمجلس الأمن، وقد أعلن عن هذا الاتفاق ليُطلع المجتمع الدولى على ما يتضمنه هذا الاتفاق من مواد تخدم مصالح الدول الثلاث، وتضمن التشغيل الكامل للسد والاستفادة منه، وتراعى دولتى المصب فى مواجهة حالات الجفاف والجفاف الممتد، وتضع قواعد تشغيل، من خلالها يكون هناك تنبأ وقدرة على الإدارة المشتركة لهذا المورد المهم.
يتضح من تحركات الإدارة المصرية أن الخيار العسكرى هو الخيار الأخير، وأن مصر تستفد كل الحلول الدبلوماسية الممكنة.. ويبقى السؤال: هل يمكن أن نحمّل الإدارة الحالية مسؤولية التعنت الإثيوبى والوصول إلى درجة تهديد مصر فى أمنها المائى؟.
الحقيقة لا.. هذا وطن لا يٌراد له أن يرفع رأسه، وأن يظل فى دائرة جهنمية من المؤامرات التى تهدد مصير شعبه وتُنهك قواته المسلحة وموارده الاقتصادية.
القضية ليست فى ملء السد.. بل فى مَن موّل بناء سد النهضة وشارك فى تشييده، ستجد فى البداية الصين ثم البنك الدولى وإيطاليا.. حتى تصل إلى تركيا وقطر ضمن قائمة الدول الممولة لسد النهضة، من خلال مشروع استثمارى زراعى ضخم، تموله الدوحة وأنقرة لزراعة مليون ومائتى ألف فدان فى منطقة السد، وهنا ستعرف من الذى يصر على تعطيش المصريين، ولماذا انتهت إثيوبيا من التصميم فى نوفمبر 2010 قبل انطلاق ثورات الربيع العربى بأسابيع قليلة وشرعت فى التنفيذ عقب ثورة يناير ورحيل نظام مبارك عن الحكم!.