توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف سرقتنا الغفلة؟

  مصر اليوم -

كيف سرقتنا الغفلة

بقلم : سحر الجعارة

أنا لا أخجل من طرح نفسى على الورق، لأن تجارب الحياة هى التى تدربنا: كيف نكون أنفسنا؟.. وتعلمنا كيف نتجاوز هزائمنا الصغيرة ونجعل من انكسارنا محطة انطلاق.

القارئ الذى عرفنى، (كما عرف غيرى من الكاتبات)، بوجه واحد لا تغادره قسمات القوة والتحدى، ولا يمل المواجهة دفاعاً عن الدين والوطن.. هذا القارئ ربما يتخيل أننا وُلدنا تحت الأضواء، وأننا نتمتع بقوة خرافية تجعل منا محاربات من طراز خاص.. ولا يعلم أن بيننا من خسر حياته الخاصة، أو أن «الكتابة» سرقت عمره، حذفت من أيامه لحظات السكينة، وصادرت بعض أحلامه وكأنه خُلق للهم العام.

لهذا ربما.. ولأسباب أخرى، قررت أن أشاركه هذه الرسالة بكل ما تتضمن من شجن وغضب وتمرد، بكل من فيها من مرارة الفقد وروعة إعادة اكتشاف الذات.. بكل ما فيها من خصوصية ومن إشارات لقضايا عامة.. بشفرتنا وقاموسنا الخاص.

الرسالة من صديقتى المحامية والإعلامية والكاتبة «أميرة بهى الدين»، وكأنها تحذير لكل من يفارق دون أن ينظر خلفه ويعيد حساباته، لكل من سقط البشر من سنين عمره دون أن يبكى غيابهم.. عرفت «أميرة» الناشطة النسوية فى مؤتمر بتونس، وعرفت «أميرة الإنسانة» فى منزلها.. كيف توحدنا وتشابكت أحزاننا وتعانقت أحلامنا، كيف وثّقنا بحبر القلب أحداث عمرنا؟.. كيف تُهنا.. أين كنا.. وكيف عدنا؟

هذه ورقة من مذكرات «محاربة صلبة» تقهر حزنها بالكلمة.. سأتركها تروى لكم صديقتى أميرة «حكاءة» ماهرة:

كيف سرقتنا الغفلة؟

كيف مرت السنوات ونحن نفقد أشياء حقيقية فى حياتنا دونما ننتبه أننا نفقدها، كيف باعدتنا الأيام عن أصدقاء أحباء ولا نتوجع لفقدهم ولا ننتبه لخسارتنا ولا نسعى لوصل ما مزقته الأيام الباردة؟!

لعلها السنوات العشر الأخيرة التى سرقتنا فى دواماتها فنسينا أنفسنا وما نحبه وما نطمئن له وما نملكه رصيداً قيماً عزيزاً لأيام العمر، لعلها السنوات العشر الماضية جرفتنا أمامها فتعثرنا فى حياتنا الخاصة وعلاقاتنا وأغلقنا علينا الأبواب فبهتت الذاكرة وتلاشى توهجها ونسينا أنفسنا وأحباءنا.

لا أعرف بالضبط ماذا حدث لكنى أعرف أن علاقتى بصديقة غالية وهنت بلا مبرر موضوعى ولا سبب شخصى وكأن عاصفة من الرمال الخشنة هبَّت علينا ووأدت صداقتنا ورصيد أيامنا وذكرياتنا تحتها وخنقت أنفاسنا فانشغلنا بالنجاة ونسينا ما يستحق منا الجهد للحفاظ عليه..

سيدة جميلة ذكية محبة للحياة محاربة من أجل ما تؤمن به، جمعتنا الصدفة فى لقائنا الأول أما ألوف اللقاءات اللاحقة فكانت اختياراً مشتركاً لنا معاً، اقتربنا بسرعة وصرنا لبعضنا الدائرة الآمنة والحضن الكبير الحنون، أحبت أمى وأحببت أمها، وصارت خالة بناتى وصرت أختها وتشاركنا لحظات الفرح وأوقات الدموع، وجلسنا على سلالم المستشفيات نضحك رغم الحزن واختبأنا فى حضن بعضنا وقت قست الأيام علينا، وزغردنا معاً فرحاً فى كل مناسباتنا السعيدة، وسافرنا العمرة معاً، وسافرنا رحلة الـ٧٢ ساعة للصين معاً، وشاركت بنتى اختيار أثواب خطوبتها وأنا مسافرة فى شغل ونزلت مع أمى تشترى لى طبق فضة قررت أمى تهادينى به وفى ليلة باردة بعيدة من شتاء ديسمبر وحين أخبرتها بتعبى وقلقى وعجزى عن النوم ارتدت معطفها الأنيق فوق البيجاما والبوت ونزلت من بيتها قبل الفجر لتنام بجانبى وتطمئننى، وقضيت فى حضن أمها وحنان دعواتها وصخب إخوتها وأولادهم ثلاثة أيام من البهجة فى الإسكندرية وقضيت فى بيتها عشرات الأمسيات وقضت فى بيتى عشرات الأمسيات، وقضينا معاً أياماً وساعات ننسج الذكريات والمحبة ونتكلم ونضحك ونبكى ونشكو قسوة الأيام ونقوى بعضنا البعض، وخرجنا كثيراً وسافرنا كثيراً وعلى مقبرة أمى كان صوت بكاء قلبها أعلى من صوت بكائى وحين ماتت أمها لم أعزِّها لأن ماما «حياة» تخصنى مثلها، وحين كبر الأولاد والبنات فرحنا بتخرجهم ووظائفهم وزواجهم وأولادهم، وفى ليالٍ موحشة تشارَكنا الأسى، وعلى شاطئ البحر ارتدينا نفس القبعات المزركشة، عرفتنى بأصدقائها فصاروا أصدقائى وعرفتها بأصدقائى فصاروا أصدقاءها، واقتربنا وتوحدنا وصنعنا تاريخاً خاصاً عجزت كل أيام الخرس والتوهة والغفلة عن محوه، مئات بل ألوف المواقف بيننا تشاركنا عيشها معاً، بيوت غيّرناها وسيارات بدّلناها وقصص نجاح مهنى ودموع حسرة وأيام يُتم وأيام فرح وأصدقاء دخلوا حياتنا وآخرون خرجوا منها..

ما الذى حدث لتسرقنا الغفلة فنتباعد؟ ربما أنا السبب وربما هى، وربما الأيام والأحداث..

كل ما أعرفه أن صدفة ساذجة منذ عدة أيام خلقت بيننا مكالمة تليفونية وبضع كلمات قليلة لينفجر بداخلى بعدها كل الذكريات والمحبة والمشاعر وصحبة الأيام فأغضب منى ومنها لأننا بعدنا رغم كل ما بيننا من عمر يستحيل تعويضه ولا استبداله ولا نسيانه، مكالمة تليفونية من بضع كلمات سحبت خلفها سنين العمر التى تشاركنا فيها بمنتهى المحبة والإخلاص والغلاوة، أغضب من نفسى وأعفيها من غضبى، ثم أغضب منها وأعفى نفسى من الغضب وفى الأخير أنسى كل الغضب وأنسى البعد والجفاء وأنسى السنوات التى قطعت الوصل بيننا، ولا أتذكر إلا كل الحب والتفاهم والمودة الذى كان وما زال بيننا وأحسه غالياً عزيزاً يستحق منا الحرص عليه الآن وغداً..

أفتقدك جداً يا صديقتى الغالية.. أفتقد جلساتنا وضحكنا وبكاءنا وطمأنينة أرواحنا.

أفتقد وجودك فى حياتى ودعمك ومحبتك.. أفتقد صداقتنا ومحبتنا..

أفتقدك ولن أفتقدك بعد الآن.. وأحبك كنت وما زلت يا صديقتى الغالية.

هل أعتذر لها بهذه الكلمات؟ طبعاً، لكنى أيضاً أعتذر لنفسى لأنى سمحت للأيام أن تتوهنى.

والآن الاعتذار ليس هو المهم بل المحبة التى يتعين علينا أن نحافظ عليها لأنها تستحق ونحن أيضاً نستحق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف سرقتنا الغفلة كيف سرقتنا الغفلة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon