بقلم : سحر الجعارة
بعض أفكار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور «أحمد الطيب»، لو وصلت إلى المجتمع بوضوح لربما أزالت من النفوس حالة التشنج والتعصب الدينى.. وهيأت المناخ لقوانين مدنية تنظم حياة البشر دونما «أوصياء على الدين».. لكنها بكل أسف لا تصل.. هيبة المنصب ربما، ميراث الاختلاف والتكفير ربما.. فقط أحاول الفهم لحل التناقض ما بين «مسلم» يقول لا إله إلا الله فيدخل السجن بتهمة «ازدراء الإسلام».. وبين «مرتد» عن الإسلام يقول حكمه شيخ الأزهر، فى برنامج الإمام الطيب الحلقة 11، كالتالى: (إن جمهور الفقهاء وأئمة المذاهب الأربعة يعتبرون الردة جريمة، ويتفقون على أن المرتد يستتاب فى مدة مختلف فيها وإلا يقتل، والاستتابة تكون بالحوار والمناقشة لعله يتوب، وفى هذا قدر من المرونة، فلا يقتل مباشرة وإنما يستتاب، وهناك آيتان تعرضتا لذكر الردة صراحة لكن لم تقرر عقوبة دنيوية معينة أو حدا معينا وإنما تركت العقوبة إلى الآخرة وإلى الله- سبحانه وتعالى- يفعل بهم ما يشاء فى الآخرة، لكن هناك حديث شريف نص على العقوبة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
وتابع: وقد ذهب الفقهاء المعاصرون من أمثال شيخنا أبوزهرة والشيخ شلتوت والشيخ عبدالوهاب خلاف وغيرهم، إلى أن الردة جريمة ولكن ليس فيها حد محدد، وإنما تترك لتقدير الحاكم والظروف التى يمر بها المجتمع، وفيها تعزير، والفرق بين التعزير والحد: أن الحد عقوبة محددة بالقتل أو بقطع يد أو بالجلد، والتعزير فيه مرونة حيث يبدأ باللوم والعتاب والضرب للتأديب وينتهى بالقتل، فمثلا مشكلة المخدرات ليس فيها حد معين لكن الفقهاء قالوا: تعالج بالتعزير على حسب ما يراه القاضى، مبينًا أن الفقهاء المعاصرين اجتهدوا ووصلوا إلى أن حد الردة ليس هو القتل، لأنه غير موجود فى القرآن الكريم، ولأن الحديث الذى معنا ورد برواية أخرى.
وشدد الإمام الأكبر على أن النبى، (عليه الصلاة والسلام)، لم يقتل مرتدا.. هل تريد أكثر من هذا تبرئة لم يخرج عن الإسلام؟.. هل ترى كم هو الفارق بين معاقبة «مسلم» اجتهد فأخطأ أو أصاب وبين من «كفر» بالإسلام ككل فتكون عقوبته بالتعزير مثلا الذى قد يقتصر على اللوم والعتاب والضرب للتأديب أو يصل للقتل!.
توقفت أمام جملة غاية فى الأهمية ذكرها الدكتور «الطيب» وهى أن: (الردة جريمة ولكن ليس فيها حد محدد، وإنما تترك لتقدير الحاكم والظروف التى يمر بها المجتمع).. وهذا تقدير من رأس المؤسسة الدينية للمجتمع المدنى الذى بالفعل لا يطبق ما يسمى الحدود الشرعية.. لكنه يستبدلها بعقوبات أشد قسوة وأكثر وحشية تعتمد على «شق الصدور» ثم تبدأ حملات التشويه الممنهج حتى تصل «اغتيال الشخصية»، فمجرد «تكفير إنسان» يستتبعه الأذى من كل جانب، يصبح منبوذا ومكروها من مجتمع يهيمن عليه «التدين الشكلى» ويتحكم بعض «المجاذيب» فى تحديد هويته ونخبته.. وتحديد بوصلة التغيير والإصلاح فيه.
تذكرت حديث «الطيب»، الذى أذيع عام 2016، وأنا أقرأ كلمات الفنانة «بسمة»، التى أعلنت تركها الإسلام واعتناق اليهودية، وأثارت جدلا واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعى فى الكويت.. ونشرت الفنانة مقطعا مصورا تقول فيه: «أنا ابتسام حميد الملقبة بالمطربة بسمة الكويتية من دولة الكويت، من أصل عراقى، أعلن تركى للإسلام وأعلن بكل فخر اعتناقى للديانة اليهودية».
كنت أستمع لكلام الإمام الأكبر وأتساءل: لماذا لا يوجد قانون يترجم النص القرآنى: «لا إكراه فى الدين».. والنص الدستورى مادة ٦٤ (حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون)؟!.. ولماذا تتركنا المؤسسة الدينية لبعض العلماء ممن يبنون شهرتهم بتكفير تيار التنوير والمجددين والمجتهدين؟!.
لا أحد يمتلك «حق الاجتهاد» حصريا، ولا تكون سلطة تملك فرض الوصاية على عقول الناس.. وبدلا من أن يتفرغ «حزب الكراهية» لتصفية التنويريين معنويا، أليس من الممكن الترويج لهذه الآراء المعتدلة.. ربما يتعظ «الحواة والدراويش»؟!.