بقلم : سحر الجعارة
فى قلب الجروبات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى ستجد أنينًا مكتوماً، همسات حزينة تدور على رسائل الواتس آب، إنهم جنود من نوع خاص، واجبهم صادر، حقهم فى إعلان أوجاعهم على الجمهور/ القراء.. إنهم الكتيبة العاملة فى مجال الإعلام (مقروءًا- مرئيًا- مسموعًا).. بينهم شباب لم يعش ليحقق أحلامه بعد، وللأسف هؤلاء هم المنوط بهم التغطية الإعلامية لجائحة كورونا «كوفيد 19 المستجد».. بينهم صحفيون ومراسلون لقنوات فضائية.. ساعات العمل لا تعرف «الحظر» ولا «التباعد الاجتماعى» حتى تدور ماكينات الطباعة، وتتوالى المشاهد على الشاشة لنشر الوعى بين المواطنين وتعريفهم بالإجراءات الوقائية من الفيروس وطرق الوصول للمستشفيات ووسائل العزل المنزلى.
وفى كتيبة الصحفيين، ستجد كُتابا تجاوزوا الستين عاما، واجبهم يفرض عليهم - أحيانا - التردد على المطابع والإشراف على كل كلمة تُنشر من المانشيت الرئيسى إلى بريد القراء.. ومنهم أيضا من يدير قناة أو يقدم برنامجا.. وقدر الاستطاعة أوقفت معظم القنوات العربية والأجنبية استضافة المسؤولين أو الخبراء بالاستوديو، واكتفت إما بإرسال كاميرا للبث المباشر أو للتحاور عبر سكايب أو حتى بواسطة الهاتف.
لم يكن غريبا - إذن - أن نسمع كل يوم عن زميل أٌصيب بفيروس كورونا، فلاقى بعض كبار الصحفيين ربهم تأثراً بالإصابة بكورونا.
كان واضحًا أنه مع تفشى الوباء فإن الصحفى فى مقدمة صفوف التعرض للإصابة، وهذا قدر وطبيعة المهنة التى نجد بينها المراسل الحربى أو من يغطى الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات.. إنهم دائما فى دائرة الخطر.
وفى اليوم العالمى للصحافة، أوائل شهر مايو، ناشد أمين عام الأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش»، فى كلمة متلفزة، ناشد الحكومات أن تحمى العاملين فى وسائل الإعلام وتعزز حرية الصحافة.. ووصف «جوتيريش» الصحافة بأنها تقدم «الترياق» بما تقدمه من أنباء وتحليلات علمية مؤكدة ومدعومة بالوقائع.
كان لابد أن تتحرك نقابة الصحفيين والهيئة الوطنية للصحافة لنجدة الزملاء المصابين وحمايتهم هم وأسرهم، وربما لابد هنا أن نذكر دور الزميل «أيمن عبدالمجيد»، رئيس لجنتى التشريعات الصحفية والرعاية الاجتماعية والصحية بالنقابة، الذى بادر بتوفير مستلزمات الوقاية للصحفيين.. ولكن تظل مشكلة الحصول على سرير فى أحد مستشفيات العزل تحتاج لإجراءات حاسمة من الحكومة، خاصة مع تزايد أداد المصابين والوفيات مما ينبئ بكارثة فى حالة «الفتح التدريجى» دون تقوية المنظومة الصحية وتوفير الرعاية الكاملة لكل فئات الشعب.
لم أكن أشأ أن أكتب عن أبناء مهنة «البحث عن المتاعب»، إلا أنى فوجئت بكلمات رقيقة من الإعلامية «آية عبدالرحمن» على موقع «الفيسبوك».. تقول: «الحمدلله تم التأكد من إصابتى بفيروس كورونا»، مطالبة بالدعاء لها بالشفاء.. وأضافت: «واثقة أن ربنا هيرزقنى الشفاء قريبا جدًا بفضل محبتكم ودعواتكم العظيمة».
لقد عُرفت «آية» فى «منتدى شباب العالم» بشرم الشيخ وهى تتنقل ببراعة مثل فراشة رقيقة لتنقل الأخبار.. عرفتها متفائلة مقبلة على الحياة حتى وهى تذيع نبأ إصابتها بكورونا.
ومن تابع أداء «إكسترا نيوز» فى الفترة الأخيرة كان يمكنه أن يتوقع أن «آية» لن تكون الأخيرة.. تتابعت الأنباء لنعرف بإصابة «ريهام السهلى».. وكل منهما لم تتوانَ عن أداء واجبها للحظة، التزما بشرف المهنة ولم تتركا الميدان لحظة، فهما تعلمان أن الجمهور متعطش للمعلومة، وأن واجبهما ليس التصدى لفيروس قاتل فحسب، بل أيضا التصدى لحرب الشائعات والأخبار المضللة فى مثل هذه الظروف الاستثنائية.
ورغم الحزن الذى تلبسنى، تذكرت مواقف كثيرة جمعتنى بصديقتى الغالية «ريهام السهلى».. منذ كنا نحارب عصابهة الإخوان التى استولت على الحكم، (كانت آنذاك فى قناة المحور)، وكنا نعلم أننا هدف لميليشياتهم، لكننا لم نفقد إيماننا بقوة الكلمة، ولم نترك ساحة المعركة، وكان كل لقاء يضعنا على حافة الاغتيال.. وبعدها كنا نتناوب القلق على مصير البلد. الآن - ياصديقتى - لا يمكننا أن نتقاسم القلق وانتظار لحظة شفائك وانتصارك على الفيروس اللعين.. للأسف، رحلة العلاج تعزلنا عمن نحب.. وكل أملى أن تربت كلماتى هذه على كتف كل مصاب وكل أسرة منكوبة بمرض أحد أفرادها.
ويقينى أننى سأنتظر منكم قصة انتصاركم على كورونا.