بقلم : سحر الجعارة
تحبو أحلامنا مثل طفل يتخبط.. يترنح.. ينتظر تلك اللحظة التى يتمرد فيها على الانحناء و«يصلب عوده»، تبدو أحلامنا كسيحة رغم أيام الانتظار الطويلة.. لا تأتينا رغم أنها تسكننا.. تبدو غريبة رغم تطابقها بملامحنا، هناك حلقة مفقودة فصلت بين العطاء والعائد.. قطعت علاقة السبب بالنتيجة، وكأنما قطعت حبلك السرى بكل ما أنفقت وأسرفت من عمرك ولم تتلق الجنين: «الحياة ليست عادلة»!.
إن شئت أن تفهم العلاقة بدقة بين ما منحته وما انتظرته اقرأ نظرية «الكارما».. الكارما مصطلح شق طريقه بقوة فى الثقافة الاجتماعية العامة. كثيرون يؤمنون به، ولكن أغلبهم لا يعرفون تحديداً أين نشأ وكيف اشتق.
الكارما معتقد دينى تعود أصوله إلى الديانات الهندية وتحديداً البوذية والهندوسية. وهو قانون كونى عام وأبدى، ويُقصَد به القوّة التى تَنتُج من تصرُّفات الشخص، سواء كانت خيراً، أو شرّاً وتؤثِّر مُستقبلاً فى حياته، كما يُنظَر إليها على أنّها الطريقة التى تتمّ من خلالها مُعاقَبة الفرد أو مُكافَأته على أعماله السابقة، السيِّئة بمِثلها والجيِّدة بمِثلها أيضاً، ويمكن القول إنّ الكارما كلمة تعود إلى اللغة السنسكريتيّة، وتُعتبَر مفهوماً رئيسيّاً ومُهمّاً فى الديانات الشرقيّة، وعلى الرغم من اختلاف خصائصها من ديانة إلى أخرى، إلّا أنّ الفكرة الرئيسيّة منها واحدة.
وهكذا تدور حياتك فى حلقة متصلة من العطاء والأخذ: الحب بالحب، والكراهية بالبغض.. الخير هو جنتك المشتهاة على الأرض، والشر هو أداة العقاب الذى يقع عليك.. والعلاقة بين العمل والعاقبة من أهمّ الأمور التى تهتمّ بها الكارما، بالإضافة إلى ذلك فهى تبحث فى نوايا الشخص، والأسباب التى دفعته لهذا العمل، وهناك العديد من العبارات الغربيّة الدينيّة، وغير الدينيّة التى تُعطى معنى الكارما نفسه، مثل عبارة العُنف يُولِّد العُنف (بالإنجليزيّة: violence begets violence)، وعبارة (what goes around comes around) والتى تُفيد بأنّ الأفعال تدور وتعود على صاحبها.
غالبية التيار السلفى المتطرف يرفض «الكارما» لأنهم يعتبرونها قانونا أخلاقيا طبيعيا قائما بذاته، وليس تحت سلطة الأحكام الإلهية، وكأن الديانات السماوية جاءت لتجردنا من «الأخلاق النبيلة».. أو تحثنا على النزاعات السياسية والصراعات المذهبية والدينية، كأطر رئيسية، لنمارس فى القلب منها كل ألاعيب (الجلا جلا.. وقرب قرب): بعض صناديق النذور تُسرق، زواج عرفى وأطفال لقطاء فى الشوارع، تجارة بالعلم والعقل والدين تحت بنود «السحر والحسد والشعوذة».. البعض يبرر كل ما هو شاذ ومحرم فى الأديان بغطاء فقهى.. البعض يتحرش بالنساء والأطفال.. صفقات بين تعدد الزوجات ونشر النقاب وحرمان المرأة من الميراث والتعليم وتشويه أعضائها التناسلية وحرمانها من «القضاء».. وتحريم صوتها وعطرها وعملها ومحاصرتها بدعاة «بعضلات مفتولة» ومحترفو زواج رسمى وعرفى «بما لا يخالف شرع الله».. والتمويل لا يتوقف من دول داعمة للإرهاب وصولا إلى اليوتيوب.. هذه هى منظومة الأخلاق التى يبشرنا بها فقهاء الدين الإسلامى!.
وبالتالى سوف تجلس مثل تلميذ أبله لتسمع أحد شيوخك، (الذى يعيش فى قصر، ويلبس سينييه، ويمتلك ثروة هائلة من الأموال والنساء)، وهو يحدثك عن «الابتلاء» ويعدك بـ«حور العين».. فلا تنتظر- إذن- أى رد فعل إيجابى لعمل أخلاقى قمت به: إن أخلصت تُخان، إن أغدقت بمالك بمشاعرك بدمك تُطعن من الخلف، إن صادقت أحدهم يغدر بك.. وكأن الفضائح والكوارث والأمراض التى يتسبب فيها من توجتهم «آلهة» على قلبك من نصيبك وحدك.. أما متع الحياة بأكملها فانتظرها فيما بعد الحياة الأولى.
لو حكمت نظرية «كارما» الحياة لأعادت صياغه واقعنا المتوحش الهمجى، بالقاعدة الذهبية: «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك».. والجزاء من نفس جنس العمل.
أما «هنا والآن»: فالحياة ليست عادلة.. ركز على اللّحظة الحاليّة، لا تتعلّق بالماضى أو تتكعبل بالخوف من المستقبل.. وحدك تملك مصيرك وحدك سيد الحياة «خليفة الله على الأرض».. أنت من ترسم خريطة الغد بأفعالك.