بقلم : سحر الجعارة
يبدو أننا مطالبون دائمًا بتذكير المجتمع بمغزى مفهوم «المساواة» بين الرجل والمرأة، فرغم وجود المادة 11 من الدستور المصرى التى تنص على أن: (تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية).. فإن المجتمع الذكورى لا يتقبل أن فكرة المساواة تنسف مفهوم «القوامة»، الذى يتخيل الرجل أنه بالضرورة لابد أن يمارسها على المرأة حتى فى الحياة السياسية والعمل العام!.
لقد اعتاد الرجل الشرقى عمومًا أن المرأة «تابع» له، وأن حريتها لن تتحقق إلا عندما يقرر أن يفك أغلالها، وأنه الأقدر على شرح مشاعرها شعرًا وتوثيق مواجعها برواية أو قصة قصيرة.. وأنها «ملكية خاصة»: يعرّيها لتصبح راقصة أو عاهرة، أو يغطيها لترتدى النقاب، يمنحها عصمتها فى يدها أو يسحب منها «حضانة الأطفال»، يهجرها فى الفراش أو يحكم عليها بـ «النشوز» أو يغتصبها جنسيًا حتى لا تلعنها الملائكة إن كانت زوجته.. يتحرش بها أو يقتلها دفاعًا عن الشرف!.
إنها «مفعول به» فى كل الأحوال، فالجنة تحت أقدامها إذا ما رضى عنها «مولانا»، أو هى أكثر أهل النار إذا غضب عنها نفس «صاحب العمامة».. إنه يتحكم فى مصيرها «دنيا وآخرة».. وكأن أحكام الرجال «لعنة» تصاحب المرأة منذ ولادتها حتى ما بعد الموت!.
المؤسف أن بعض النساء اقتنعن بأنهن «عورة»، وأن أحكام الرجال مُنزّلة من السماء، وأن الاستسلام للقهر مدخل إلى الجنة.. إنها الآن «وزيرة ومحافظة وقاضية» ولكن تظل شهادتها منقوصة «نصف شهادة» وكأنها فاقدة الأهلية!. «إنها لا تصلح للولاية».. وهذه الجملة التى يرددها المشايخ كفيلة بإبعادها عن مراكز «القيادة العليا» ومنها القضاء.. فمع صدور دستور الإخوان فى ليلة مظلمة من تاريخ مصر عام 2012، تم إسدال الستار على وجود المرأة فى مراكز صنع القرار.. واستحدث دستورهم نصًا للإطاحة بالمستشارة «تهانى الجبالى» من منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، واخترع حزب «النور» وضع «وردة» بدلًا من صور المرشحات على قوائم الحزب لأنها «عورة»!.
حتى جاء الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى عام المرأة 2017، خلال احتفالنا بذكرى ثورة 30 يونيو 2017، ووجه ضربة موجعة لأنصار الخطاب السلفى الذى يقوض حركة المرأة، فكان قراره بتعيين المستشارة «رشيدة فتح الله»، عضو المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية، رئيسًا للهيئة، رغم أنها لم تستمر فى منصبها سوى 70 يومًا فقط لبلوغها سن المعاش.
لقد اتخذ «السيسى» قراره دون صدام مع تيارات دينية متطرفة، مستندًا - ربما - لرأى الدكتور «على جمعة»، مفتى مصر السابق، فى تفسيره لحديث الرسول، صلى الله عليه الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولّوا أمورهم امرأة)، والذى ظل سيفًا مصلتًا على رقابنا، حتى قال «جمعة» إن الرسول كان يقصد بقوله «الروم» وليس عموم الناس.
كان لابد أن تدرك المرأة أن «الحرية» ليست منحة ولا هبة، إنها حق لابد أن ينتزع، وأن تحفر فى الصخر بأظافرها لتنال حقوقها.. هذه المقدمة الكئيبة مدخل للحديث عن دور المرأة فى «مجلس النواب» الجديد، قد تكون مقدمة قاتمة، لكنها تعمل فى ظل مناخ سلفىّ لايزال مناهضا للمرأة!.
صحيح أن الأجندة النسوية مزدحمة بقضايا تحتاج إلى إصلاح تشريعى.. ولكن أتصور أن على النساء الخروج من شرنقة الأنوثة لممارسة الدور التشريعى والرقابى لصالح المجتمع بأسره.. فالمساواة ليست معناها أن أتقوقع على ذاتى ومشكلاتى، بل أنفتح على العالم من حولى.
أنتظر أن تثبت المرأة جدارتها، وأن يتغير شكل المستقبل بـ «هن».