بقلم : سحر الجعارة
أنا شهادتى مجروحة فى حق المخرجة الكبيرة «إيناس الدغيدى»، بحكم الصداقة والعمل سويا، ولأننى أعرفها جيدا أعلم أنها تجيد «فن البوح» وأنها لا تهوى الغموض وليس لديها «صندوق أسود» فى حياتها الإنسانية والمهنية.. ربما لهذا كانت قادرة على إقناع النجم «هشام سليم» بأن يصارح المجتمع بأزمة ابنته «نورا» التى أصبحت ابنه «نور».
فى برنامج «شيخ الحارة والجريئة»، الذى تقدمه «إيناس» على قناة «القاهرة والناس» كان بانتظار المجتمع المنغلق، الذى يتعامل مع «العبور الجنسى» باعتباره «وصمة عار»، صدمة.. ربما يفيق المجتمع من غفلته ويحترم «قرار العلم» الذى يحدد وحده الهوية الجنسية للإنسان.. لكن الملاحظة الأولى أن هذا المجتمع على استعداد لتقبل تحول الأنثى إلى ذكر وليس العكس بسبب مفاهيم مغلوطة حول «الرجولة» حتى لو كانت هذه المفاهيم تتعارض مع المشيئة الإلهية التى تشكل الإنسان!.
لقد اعتادت «الدغيدى» إحداث «صدمات كهربائية» للمجتمع حتى فى أفلامها، لكن فى هذه المرة وضعتنا أمام نجم كبير له جمهور يحاسبه على كل حرف، «جمهور لا يرحم» ويعتبر النجم مادة للنميمة.. لكن «هشام» بمنتهى التحضر والاحترام تخلص من وجعه المزمن، من حمل ثقيل لازمه طيلة 26 سنة، لأنه مقتنع أن الحق فى «الحياة» أهم من النوع أو «الجندر».
«نور» كان يعيش فى جسد لا يعرفه، لكنه بحكم الرقم القومى «بنت».. انطوى وانغلق على همه وحزنه، وبدأ يكتشف جسده وميوله النفسية.. حتى جاءته فرصه التنفس بالدراسة خارج مصر.. وهناك تابع الإنترنت بشغف قرأ وشاهد حالات يعانى مثلها، وبعضها أجرى عملية «تحول جنسى».. فكر فى «الانتحار» حتى لا يعلن عن طبيعته وحقيقته للناس أو يواجه المجتمع بكل قسوته.. وهنا كان دور الأب الذى احتضنه وتفهم مشكلته البيولوجية.. ولم يعرضه لطبيب نفسى قد يشوه حالته النفسية أكثر مما يفيده بكلام طبى لا يفهمه.
لم يتركه «سليم» يتخبط وحده رغم أنه يدرك تعقيدات عملية «transgender أوالتحول الجنسى» التى تحتاج إلى موافقة المؤسسة الرسميه الدينية ونقابة الأطباء.. وبالقطع تكلفتها المادية باهظة.. لكن المهم «التكلفة الاجتماعية».
عملية تصحيح الجنس أو كما يسمى trans-sexual بمعنى العبور إلى الجنس الآخر ليست مقبولة أو مفهومة فى مصر، ولذلك يحيا «نور» دون عمل وربما دون تفاعل اجتماعى أو قبول مجتمعى.. وقد اختصر «هشام» تلك المسافة ما بين ابنه والمجتمع الرجعى ولو على حساب سمعته، لم يخجل من اختصار مشكلته دون الخوض فى تفاصيل لا تخص أحدا إلا «نور» نفسه.
نجح «هشام سليم» فى تحريض الناس على التفكير، والاستماع إلى عدة آراء طبية تشرح مأساة «نور»، ونجح فى الوقت الذاته فى أن يضع «نور» فى مواجهة راقية مع المجتمع.. نجح فى البوح بشجاعة نادرة تماما كما نجح فى المساندة التامة والدعم الكامل للقرار الذى اتخذته ابنته/ ابنه للتحول إلى ذكر، وقال: (بما أنى والده، فيجب على أن أساعده حتى يستطيع أن يحقق ما يرغب به فى حياته).
يدرك «سليم» خصوصية الفنان فى مجتمع محافظ للغاية، لكنه أيضا يدرك المشاعر المتضاربه التى كانت ولاتزال تشعر بها ابنته إلى حين التحول الكامل إلى ذكر.
ولعل الغريب فى الأمر أن المجتمع الذى يهوى فضائح المشاهير لم يتعامل بمنطق الفضائح مع أزمة «نور هشام سليم»، بل كان متعاطفا يقف على مسافة من الاحترام لاعتراف «سليم».. فهل يرجع هذا لكون ابنته تتحول إلى ذكر- كما ذكرت فى البداية- أم إلى بساطة وتلقائية «سليم» فى طرح القضية أم إلى أناقة «إيناس» فى اختيارها لألفاظها والتعامل بأمانة مع «سليم- الإنسان».. أم أنها كل هذه العوامل مجتمعة؟.
ما يهمنى فى هذه القضية هو خلق «وعى عام» بمشكلة اضطراب الهوية الجنسية، والقدرة على تحويل الرأى العام المناهض لعمليات العبور الجنسى إلى رأى عام متعاطف.. يطرح أسئلة علمية ويبحث عن الإجابات بعيدا عن «الهرى والنميمة».. وهذه هى النتيجة الإيجابية لنشر «ثقافة البوح» بسلاسة بعيدا عن ابتزاز النجم أو الضغط العصبى عليه لتحقيق انتصار زائف بانتزاع اعتراف عنوة