بقلم :سحر الجعارة
ما نسميه نحن «قوة السوشيال ميديا» هو بالنسبة للسيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى»: «نبض المواطن»، هو معلومات تنتقل إليه بلا وسيط.. فى «مؤتمرات الشباب» مثلاً كنا نتابع الرئيس وهو يشاهد «الكوميكس» المنتشرة على السوشيال ميديا، من غلاء الأسعار، من أزمة البنزين.. عين الرئيس دائماً على «المواطن»، صحيح أنه يرفض البناء العشوائى والتعدى على أراضى الدولة ويواجه مخالفات البناء، ومافيا الفساد التى شوّهت الطراز المعمارى فى مصر.. لكن المواطن البسيط الذى اشترى شقة ولم يبحث فى أوراقها التى وفرها المالك ومن سهل له الفساد، ليجد المواطن نفسه مهدداً بالتشرّد وهو لم يجنِ ذنباً.. هذا وضع تتعامل معه الإدارة بحكمة، القصة ليست فى تغريم المواطن ضريبة المالك الأصلى، ولا عقابه على مخالفة القانون.. وبالقطع ليست «سياسة جباية»، هى أخطاء تراكمت حتى أصبح «الاستثناء» هو القاعدة.. وتذكّروا جيداً أن «هيئة قناة السويس» المالكة لحقوق وتشغيل المشروع، تلقت التمويل من المواطنين المصريين عن طريق البنوك المحلية، واستطاعت الهيئة خلال 8 أيام فقط الحصول على ما يقارب وقتها 64 مليار جنيه مصرى.
هذه الأموال لم تخرج كلها من البنوك، ومعظمها لا تعلم الدولة شيئاً عن مصدره، ربما كان ثمناً لعقارات أو ذهب أو معاملات مجرّمة قانوناً.. وهو ما نسميه بـ«الاقتصاد السرى»، هذا الاقتصاد يمكنه أن يضارب على أسعار العملات أو يضارب فى البورصة أو يتحكم فى أسعار العقارات والسيارات، لأنه يملك «السيولة النقدية»، وهو أيضاً قادر على إفساد المحليات بالرشوة.. وبالتالى بدأت الدولة فى ميكنة الخدمات الحكومية وتهميش العامل البشرى للقضاء على الفساد.
بالتوازى مع هذه السياسات كانت الإدارة المصرية تقوم بنقل سكان العشوائيات إلى مجتمعات تليق بالإنسان، ووزارة التضامن الاجتماعى تتوسّع فى مشروع «تكافل وكرامة».. صحيح أن البعض تضرّر من تعديل «بطاقة التموين» لكن التعديل فى النهاية كان لصالح الفئات الأكثر احتياجاً، والتى دائماً ما يعلن الرئيس انحيازه لها، ثم بدأت منظومة حصر الثروة العقارية فى مصر تحظى بأهمية كبيرة، وذلك لما لها من مردود إيجابى يُسهم فى تعظيم الاستفادة من تلك الثروة العقارية، وتكون بمثابة خريطة لها، وتخصيص رقم قومى لكل عقار قائم فى الدولة.. فى نهاية العام الماضى.. حتى ظهر قانون الشهر العقارى الجديد، توقيت ظهور القانون لم يراعِ «المواءمة السياسية»، ولم تكن بنوده عادلة ومرنة بما يتناسب مع حالة المواطن الذى يتخبّط بين المستشفيات ومواجهة كورونا وتداعيات الجائحة على الأنشطة الاقتصادية.. والأزمة النفسية الخانقة من عدم الحركة.
كالعادة، استخدم المواطن سلاح السخرية: (إن شئت أن تتزوج على زوجتك الأولى، تزوّج عرفياً فى شقة غير مسجّلة فى عقار مخالف).. لكن الناس كانت مصدومة بالفعل، استمع الرئيس إلى صرخة الناس، واجتمع مع الدكتور «مصطفى مدبولى» رئيس مجلس الوزراء، والمستشار «عمر مروان» وزير العدل، ووجّه بتأجيل تطبيق القانون رقم 186 لسنة 2020، الخاص بتعديل قانون الشهر العقارى، لفترة انتقالية لا تقل عن عامين، بهدف إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعى.
ووجّه الرئيس بأن يتم خلال تلك الفترة الانتقالية، تحصيل قيمة ثابتة مقطوعة مخفّضة وواضحة، عند تسجيل الأملاك، حسب مساحة ونوع الملكية، وذلك بدلاً من الضريبة المفروضة فى هذا الصدد على التصرّفات العقارية، هكذا تدار الدول الديمقراطية.. إن لم يكن المواطن طرفاً فى حوار مجتمعى حول قرار يتعلق بمصيره وحياته يحدث شرخ ما بين السلطة والقاعدة الجماهيرية.
قرار الرئيس كان حكيماً وتوقيته حاسماً، لكن التأجيل طرح تساؤلات كثيرة، وأجاب وزير العدل المستشار «عمر مروان» -من قبل- على أحد هذه الأسئلة، موضحاً أن بعض الأشخاص يمتلكون الوحدات السكنية بأوراق عرفية أو موروثة عن آبائهم.. وقال: فى هذه الحالة هناك طريق آخر نسير فيه من أجل توثيق الشقة، وهو تقدم الشخص لـ«إثبات ملكية وضع يد»، وذلك بعد مرور 15 عاماً على وجوده فى الوحدة السكنية.
وأشار وزير العدل إلى أنه حتى لو كان الشخص لم يمر على وجوده فى الوحدة سوى 3 سنوات، لكن والده -أو مدة سلفه- وصلت إلى 15 سنة يتم عمل إثبات ملكية وضع يد، أتصور أن الأمر قد يحتاج إلى قانون بديل عاجل يتضمن تعليمات السيد الرئيس، وأتصور أيضاً -قياساً على هذا القانون- أن قانون الأحوال الشخصية المنتظر لن يخرج إلى النور دون حوار مجتمعى تكون النساء فى القلب منه، بقدر امتنانى لقرار الرئيس «السيسى» أشعر بالامتنان لكل كلمة كُتبت على «السوشيال ميديا»، لأنها تعكس وعى المواطن بحقوقه وتؤكد أن لديه وسائل يوصل من خلالها صوته إلى القيادة السياسية، هذا العصر لا يعرف الموانع والسدود التى تعزل رأس السلطة عن قاعدة الهرم، إنه عقد اجتماعى جديد.