بقلم : سحر الجعارة
بتاريخ 1 ديسمبر 2019، كتبت هنا فى جريدة «الوطن» تحت عنوان: «عفواً.. عزيزى الرجل» عفواً «سيدى الرجل»: هل تعلم الفرق بين «الذكورة» و«الرجولة»؟.. الذكر مجرد «نوع» مثل أى حيوان وضع الله فيه غريزة «حب البقاء» والتناسل، تماماً مثلما وضع فيه غريزة الجوع.. أما «الرجل» فيُفترض أنه عنوان «الشهامة والكرم والإنسانية والسند والحب والعطاء دون مقابل».. إلى آخر معانى الفروسية التى أصبح معظمها «فعلاً ماضياً»!.
كان مقالى بمناسبة فعاليات «اليوم الدولى للقضاء على العنف ضد المرأة».. حيث اختارت هيئة الأمم المتحدة موضوع عام 2019 ليكون «لوّن العالم برتقالياً: جيل المساواة ضد جرائم الاغتصاب».. حيث يرمز اللون البرتقالى إلى رؤية مستقبل مشرق يخلو من الاعتداءات الجسدية والجنسية والعنف ضد المرأة.
وبينما يعلو الضجيج والصخب فى المجتمع المصرى حول جريمة «الفيرمونت»، وتوالى الأخبار عن حفلات ماجنة وشذوذ جنسى وقصص قميئة منفّرة، جذبتنى من كل هذا تدوينة لصديقى الدكتور «بهى الدين مرسى»، على موقع الفيس بوك، كتب فيها: (آدم الذكورة وآدم الرجولة بداية، دعونا نفرق بين معنى الذكورة والرجولة، فبينما الذكورة هى المكون الهرمونى والتشريحى والوظيفى لصنف الذكور من المخلوقات، وأعنى فعلاً كل المخلوقات بدءاً من الحشرات والهوام، مروراً بالقوارض والزواحف وانتهاء بالإنسان، فكلها تشترك فى وجود صنف الذكورة ومقابلها بالطبع الأنوثة وهى وصف للصنف الآخر فى كل المخلوقات. أمَّا الرجولة، وهى المكون الأخلاقى والسلوكى فى الإنسان فلن تجد لها نصيباً لدى المخلوقات التى حظيت بالذكورة ولا حتى بالأنوثة. إذن، الرجولة من نصيب الآدمى دون بقية المخلوقات، فبينما هناك ذكر الحصان وأنثاه، فلن تصادف «رجلاً» فى صنف الجياد. المتأمل فى الوصف القرآنى لسيرة آدم عليه السلام يجد أن الله لم يشر إلى أى من مقومات الذكورة فى آدم، فلا حديث عن قوته الجنسية أو فحولته أو خصوبته أو المناسل وإنما انصب الحديث الربانى على الرجولة ومكوناتها، وهى: 1- العلم: فقد علمه الله الأسماء. 2- الاختصاص بالتكريم: عبر نفخة من روح الله لتدب فيه الحياة. 3- الكرامة: المتمثلة فى أمر الله للملائكة بالسجود لآدم. 4- طاعة الله: من خلال أمر الامتناع عن إتيان قطف شجرة معلومة فى الجنة. 5- عمارة الأرض: وهى التكليف السامى. عندما عصى آدم ربه، لم يقع العقاب على منحة الرجولة، ولم ينزع الله أياً من مكوناتها الخمسة السابق ذكرها، ولكن جاء العقاب على مكوّن الذكورة وهو العورة، أى السوأة، فافتضحت).
دكتور «بهى» بهذا التعريف يطيح بكل ما جاء فى التراث المتحجر من اختزال سيرة سيدنا «محمد»، عليه الصلاة والسلام، فى فحولته وعدد زيجاته، تماماً كما وصف سيدنا «آدم» عليه السلام، ويحطم التقاليد المتوارثة التى اختصرت الرجولة فى هرمون «التستوستيرون»، لتنضم الوحوش المسعورة للتحرش بالمرأة أو اغتصابها إلى «الحشرات والهوام والقوارض والزواحف».. وهكذا علينا أن ندرك جيداً ما نتلقاه من «خطاب ذكورى»، فإن استمعت إلى داعية مثل «عبدالله رشدى»، كل همه التركيز على عورة المرأة والتحريض على التحرش بها ونشر منهج «الذباب الذى يلتف حول الحلوى العارية».. فاعلم أنه أبعد ما يكون عن الرجولة، كما جاءت فى الحديث الربانى: (العلم، التكريم، طاعة الله، الكرامة)، وأنه ينتمى تشريحياً إلى فئة «الذكور» التى تُفتى كما تتناسل، وتستبدل كرامتها بمعاداة المجتمع المدنى وبث الكراهية، وتسخر علمها فى خدمة عائد فيديوهات «اليوتيوب» بقلب الحقائق وتزييف الدين، وتأليب فئات المجتمع ضد بعضها البعض!.
أعود إلى تدوينة دكتور «بهى»، الذى يستكمل فيها سيرة آدم عبر الكتاب الكريم، فيقول: (لاحظ أن مصادر الخليقة، أى مادة الخلق أربعة وهى: 1- النور: وكان من نصيب الملائكة. 2- النار: من نصيب إبليس. 3- الطين: من نصيب آدم. 4- حواء هى الوحيدة التى خُلقت من ضلع الآدمى، فأصل خلقتها الآدمية. عندما تراجع اللفظ القرآنى فى هذا السياق تجد أن لفظ الرجولة وتصريفاته جاء مرتبطاً بالأخلاق والعهد (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) إلّا إذا جاء مقروناً بصنف النسوة أو الإناث فيصبح مرتبطاً بوصف الذكورة أو صنف الذكور، وذهب البعض إلى أن تفسير لفظ «رجال» فى الآية 27 من سورة الحج، يُقصد به سمو التكليف بالحج للذكور والإناث على حد سواء. إذن وصف الرجولة من نصيب الذكور والإناث على حد سواء، ومن الجهل امتداح امرأة كونها تتفوق على مائة من الرجال، فهى فى الأصل صاحبة حصة مساوية له من الرجولة)
توقفت طويلاً أمام قوله: إن «لفظ الرجولة وتصريفاته جاء مرتبطاً بالأخلاق والعهد».. ومن المعروف فى لغة القرآن أن ضمير المخاطب يمكن أن يكون مذكراً لكن أوامره ونواهيه موجهة للرجل والمرأة (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) البقرة -43.
أنا عادة ما أقول إن «الرجولة صفة وليست نوعاً»، لهذا أعجبنى قول دكتور «بهى»: «وصف الرجولة من نصيب الذكور والإناث على حد سواء»، وفى مقالى المشار إليه، كنت قد كتبت: الذكر يعتقد أن الزوجة «ملكية خاصة للرجل»، ضربها «واجب شرعى»، والامتناع عن تلبيه رغباته الهمجية «معصية وإثم» يدخلانها النار.. لأن المجتمع فقد عقله، و«فقهاء الجنس» ممن يرفعون شعار التدين والشرف والفضيلة لا يرون أن المجتمع غارق فى العار والوحل.. وأن خلف الأبواب المغلقة مآسى تشيب لها الأبدان!.
فالعنف ضد المرأة فى مصر مشرعن وممنهج، بزعم التفوق البيولوجى للذكور على الإناث، لكن أين هؤلاء من «الرجولة»؟!.
a