مرة ثانية تتصدر «عبير موسى» رئيسة الحزب الدستورى الحر فى تونس المشهد التونسى، وذلك بعد أن أخفقت، هى وتكتلها، فى سحب الثقة من «راشد الغنوشى»، رئيس البرلمان، يوليو الماضى بعد مصادقة 96 نائباً على لائحة سحب الثقة، وامتناع نواب كتلة قلب تونس، حليف النهضة فى البرلمان، عن التصويت.. علماً بأن المصادقة عليها تتطلب أغلبية بـ109 أصوات من بين 217.
كانت «موسى» قد تعرضت -أواخر يناير الماضى- لاعتداء وُصف بـ«الشنيع» من قِبل نائب فى ائتلاف الكرامة المقرّب من حركة النهضة، «سيف الدين مخلوف»، فى مبنى البرلمان، وهو ما اعتُبر انتهاكاً لحُرمة المؤسسة التشريعية.. لكنها تعلم جيداً أنها فى مواجهة أخطر تنظيم إرهابى عرفته المنطقة العربية: «الإخوان».. وتفضّل اللجوء إلى الآلية الديمقراطية «سحب الثقة» بدلاً من منهج العنف الذى تحترفه جماعة الإخوان.
وقد ظهرت «عبير موسى» فى الفيديو الذى أثار استنكار السوشيال ميديا، وهى تحاول حماية نفسها من نائب ائتلاف «الكرامة»، الذى خطف هاتفها المحمول بذريعة أن زعيمة الحزب الدستورى الحر كانت تقوم بتصويره.
وبدا النائب بوضوح وهو يكيل الشتائم لرئيسة «الدستورى الحر»، التى لم ترد بالأسلوب نفسه، إذ حرصت فقط على تفادى أى اعتداء جسدى عليها.
وفى إحدى اللحظات، هدّد النائب «عبير موسى» بكسر هاتفها المحمول، ولم يخفِ تهديده، حتى إن كانت العدسات تقوم بتصوير ما يقع.
هذا الاعتداء تم بعد يوم واحد من إعلان الحزب عن بدء اعتصام للاحتجاج على القوى السياسية المتقاعسة أمام احتجاجات شعبية تشهدها تونس فى مختلف المناطق.
هذا المشهد المشين أكد للجميع أن «الغنوشى» فشل فى إدارة المجلس، وأن لغة العنف حلت محل «الحوار السياسى»، رغم حرص «موسى» على رفضها للعنف ودعوة الشباب المحتج للالتزام بذلك.. لقد ارتفع سقف مطالب المعتصمين بالطبع، ليصبح الهدف من الاعتصام هو الدفع باتجاه إسقاط حكومة «هشام المشيشى» التى فشلت، حسب قول «موسى»، فى إنجاز أى إصلاح يعود بالنفع على الشعب التونسى!
«عبير» التى وُصفت بـ«المرأة التى هزت عرش الإخوان» وضعت حركة «النهضة» فى مفترق طرق، وقد عارضت رئيسة كتلة الدستورى الحر، ترشيح أحد نواب حركة النهضة لتولى رئاسة البرلمان، فى حال تم سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشى.
وقالت فى تصريحات صحفية إن «معركة حزبها هى ضد الغنوشى وجماعته وتنظيمه»، معتبرة أن إبعاد رئيس النهضة من البرلمان على خلفية «ما يشكله من خطورة على الأمن القومى كقيادى من الصف الأول للإخوان يُعد مرحلة من معركة متواصلة ضد الإسلام السياسى فى البلاد»، وفق تعبيرها.
وقد كان سبق لعبير أن اتّهمت «الغنوشى» باتهامات كثيرة، منها دعم ورعاية الإرهاب وتنفيذ أجندة الإخوان المسلمين فى تونس، وهى الاتهامات التى ينكرها ويرفضها «الغنّوشى» جملة وتفصيلاً.
كما قالت إنه يؤوى البؤر العائدة من مناطق النزاع، لافتة إلى أن «الغنوشى» له علاقات بأنظمة إرهابية.
وأكدت «موسى» أن جماعة الإخوان فى تونس تريد أخونة المحكمة الدستورية التونسية من خلال ترشيح أعضائها لرئاستها وعضويتها.
كما تشكك «موسى» فى ثروة رئيس البرلمان التونسى، فى تلميح إلى أنها نتيجة تعاونه مع الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان»، مؤكدة أنه خرج عن البروتوكول المتعارَف عليه وحاد عن مهام منصبه عندما التقى بأردوغان!.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، أو أن سيناريو إسقاط عصابة الإخوان يتكرّر فى تونس بالتفاصيل نفسها، مثلما تتدحرج قطع الدومينو، اللافت للنظر هو الجماهيرية الواسعة التى تحظى بها «موسى»، فخلال اعتصام نواب كتلة الحزب الدستورى الحر داخل مقر البرلمان التونسى، يوليو من العام الماضى، توافد مئات التونسيين من أنصار الحزب الدستورى الحر أمام مقر البرلمان لمساندة ودعم اعتصام الحزب.. وردّدوا هتافات، منها: «تونس حرة حرة والخوانجية بره».. لكن هذا المشهد لم يكتب نهاية الإخوان فى تونس.
ومع تردّد أنباء عن توتر العلاقة بين «الغنوشى» والكثير من قيادات «النهضة»، تلوح فى الأفق احتمالات إسقاطه عن رئاسة البرلمان التونسى.. وحتى كتابة هذا المقال كان 76 نائباً وقعوا على لائحة ثانية لسحب الثقة من «راشد الغنوشى».
ومع تزايد الاحتجاجات الشعبية لا يبدو أن الحكومة سوف تصمد، أو أن «النهضة» قادر على تخدير الشعب.
نحن أمام موقف تاريخى تقود فيه المرأة التونسية حركة التغيير والإصلاح بشكل ديمقراطى.. وتثبت قدرتها على استعادة البلاد من قبضة الإرهاب، والقضاء على حركة النهضة التى جرّدتها من حقوقها.. ثم أعادها الرئيس التونسى الراحل «قائد السبسى».. المرأة التونسية التى عرفت المساواة القانونية مع الرجل، (الميراث، عدم الزواج بأكثر من واحدة، الزواج من كتابى)، قبل أن تعصف بها «ثورة الياسمين» ثم تستعيدها.. هذه المرأة لن تتنازل عن حقوق شعبها.
ولن تكون أول أو آخر امرأة عربية تتعرض لإرهاب الإخوان وهى تغير الخريطة السياسية للبلاد، وتدون اسمها فى التاريخ.. أنا متفائلة من نجاح «عبير موسى» ليس انحيازاً للمرأة، ولكن انحيازاً للشعب الذى يقف خلفها.
المرأة التى تستطيع بكل ذكاء أن تجمع النخبة السياسية مع الجماهير وتتحرّك بعزيمة لا تلين، وتدفع ثمن النضال والمقاومة راضية.. لا بد أن تنتصر مهما طال ليل «النهضة المزعومة».