توقيت القاهرة المحلي 04:39:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوان الورد

  مصر اليوم -

أوان الورد

بقلم - سحر الجعارة

هل يمتلك الفن مساحة من الحرية تمكنه من نشر التسامح وقبول الآخر، وطرح القضايا الشائكة التى نعجز عن مناقشتها بشكل مباشر؟ هل مسلسل «حسن الصباح» وحده كفيل بأن يكشف للناس تضليل تجار الدين لهم ويفضح تسييس الدين أم لا بد أن نتابع فى إنتاج هذه النوعية من الدراما ونتوغّل أكثر فى المناطق الملغمة لنزيل تلك الألغام؟

حين عُرض مسلسل «أوان الورد» عام 2000، لم تكن «الفتنة الطائفية» قد أصبحت هى «الثقافة السائدة»، كان المجتمع متسامحاً ومرناً، ويقبل أن يرى الأم (الفنانة القديرة سميحة أيوب) وهى تُؤدى دور «روز» المسيحية التى تزوجت دبلوماسياً مسلماً.. رغماً عن إرادة أسرتها!

وحين عُرض فيلم «حسن ومرقص»، وتبادل النجمان «عمر الشريف وعادل إمام» دورى القس والشيخ، كانت القصة تكرّس التسامح وتقاوم الإرهاب، وتجسد معانى الوحدة الوطنية.. رغم مشاهد السخرية والكوميديا التى ارتبطت -لضرورات الدراما- بممارسة المسيحى لدور الشيخ وممارسة المسلم لدور القس.. الآن لم يعد المجتمع يتحمّل «الدعابة»، ولا يسمح بمجرد الاقتراب من «زى دينى».. ويسهل أن تشتعل الفتنة من لقطة عابرة فى فيلم أو مسلسل تحتمل فكرة ازدراء دين الآخر!

أنا مع حرية الإبداع والتعبير، وضد كل أشكال الرقابة والمنع والمصادرة، لكن حين يتعلق الأمر بـ«السلم الاجتماعى» لا بد أن تصبح «الحرية مسئولة» وأن تلتزم بالضوابط الاجتماعية، فالرقابة المجتمعية أشد قسوة من أى رقابة ومن أى قانون.

وقد أثار مسلسل «خفة يد»، إنتاج 2018، حفيظة عدد من المسيحيين بسبب ارتداء الفنان «محمد ثروت» ملابس «قس» يقوم بعمليات نصب.. وتسبّبت هذه المشاهد فى انتقاد حاد من قبل المسيحيين، على منصات التواصل الاجتماعى، خاصة موقع «فيس بوك»، وسط تباين لردود الفعل حول العمل، الذى ينتمى إلى نوعية الدراما الكوميدية.

الانتقادات تركزت حول قيام «ثروت»، بتدخين سجائر بملابس القس، وهو ما اعتبروه أمراً لا يتناسب مع قدسية الزى الذى يرتديه، بالإضافة إلى تنفيذه عمليات نصب.

وقد نال مسلسل «خفة يد» نصيباً غير قليل من شكاوى الجمهور للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بسبب هذا المشهد.. وقالت إحدى الشكاوى التى حصلت «صحيفة الوطن»، على نصها: (بقى ده معقول، ليه يكون التنكر فى زى شيخ أو رجل دين مسيحى، يا ريت الحاجة دى ماتتكررش فى مجتمعنا مرة تانية).

والحقيقة أن شخصية الشيخ أو الدرويش أخذت نصيباً كبيراً من الكوميديا فى السينما والتليفزيون، بل وتم انتقادها بشكل «جاد جداً» فى أفلام مثل «مولانا» المأخوذ عن رواية للكاتب «إبراهيم عيسى».. وفيلم مثل «لى لى» المأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الكبير «يوسف إدريس»، وهو الفيلم الذى تم منع عرضه.. كما تعرّضت أعمال فنية كثيرة للنصب باسم الدين، سواء فى شركات توظيف الأموال أو فى الدجل والشعوذة.. لكن الناس ضاقت صدورهم ولم تعد تتحمّل النقد أو الدعابة أو الكوميديا.. وأصبح المجتمع فى حالة «تربّص» بالفن لدرجة منع انتقاد مهن كثيرة!

ووصل الغضب الكنسى من دور الكاهن فى «خفة يد» إلى أن لجنة المصنّفات الفنية بالكنيسة، برئاسة الأنبا «مارتيروس»، استنكرت ظهور شخصية كاهن «لص» فى المسلسل الرمضانى «خفة يد»، مشيرة إلى أن الشخصية تقوم بتصرفات غير لائقة، مثل الإهانات والألفاظ المرفوضة والنصب داخل الكنيسة، وهى تصرّفات غير مهذبة لا تتناسب مع رجال الكهنوت الأقباط.. وأكد الأنبا «مارتيروس» -فى تصريحات صحفية- أن الدراما المصرية يجب أن تتوخى الحذر فى تناول بعض الأمور الدينية والروحية والتقاليد عند الأقباط.. وأضاف أن الكاهن فى الكنيسة له كل الاحترام، وما تم عرضه فى المسلسل يعتبر إساءة للكنيسة فى شخص الكاهن، مطالباً بحذف المشهد المشار إليه.

هل فى ظل هذه الحساسية الدينية يمكن أن نحل بالدراما ما عجزنا عن حله بالسياسة؟ كيف يمكن إحداث «التوازن والمواءمة» بين حرية الإبداع والحفاظ على «السلم الاجتماعى» الذى أصبح مهدّداً باشتعال الفتنة ولو بـ«شائعة»، خاصة أن أصحاب معظم فئات المجتمع، تسعى لإضفاء ملامح القدسية على كل الفئات، منها أطباء وصحفيون.. إلخ! خاصة نقابة المحامين التى يرى أصحابها أن أى مشهد يتناول بالسلب صورة المحامى يستحق منهم مقاضاة صناع العمل!

وامتد التضييق على صنّاع الدراما إلى درجة التهديد بمنع العمل إذا كان يسىء إلى «النقاب» -من وجهة نظر البعض- رغم أنه لا سنة ولا فرض!

قطعاً هذا مناخ مختلف عن المجتمع الذى أحب فيلم «ضد الحكومة»، واحتفى بفيلم «بحب السيما».. هذا مناخ قاتل للإبداع، كاره للفن والفكاهة، لقد تحول المجتمع بأكمله إلى جماعة لـ«الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».. ولم يكتفِ بكل الجهات الرقابية التى تصادر حرية الإبداع وتوقع غرامات موجعة على صناع الدراما.. وتحاسبهم بسيوف المحظورات: (الدين والفن والسياسة)!

يقينا أنا لا أملك مصادرة غضب المسيحيين أو المسلمين، ولا أطالبهم بذلك، فقط أبحث عن مجتمع متسامح يعشق «قوته الناعمة» ولا يهدرها.. مجتمع راسخ القيم الدينية والأخلاقية لا يهزه «مشهد ساخر».. وينتفض لمصادرة عمل.. لقد عانينا طويلاً من جر الأعمال الدرامية إلى القضاء.. ووقف الكثير من المبدعين يدافعون عن أعمالهم (وعلى رأسهم المخرج يوسف شاهين رحمه الله).. لكن البعض يصر على أن الشاشة دليل إدانة أو ساحة لتبرئة الفن.. أما الفنان فهو «متّهم إلى أن يثبت العكس»! ولعل هذا ما عطل عجلة السينما عن الدوران وجعل المنتج الموجود الآن يهرب إلى الكوميديا أو الأفلام السطحية ولا يجرؤ على مناقشة موضوع جاد خشية الخسائر المادية.

هل هناك فرصة لإعادة عرض بعض هذه الأعمال الجادة التى تُخفّف حدة التوتر الطائفى على قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية؟ أتمنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوان الورد أوان الورد



GMT 08:58 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت أبيها

GMT 08:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب والتعامل مع حربَي غزة ولبنان

GMT 08:56 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجديد الذي يمكن استكشافه!

GMT 08:55 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

يدور مع زجاجة ترمب حيث دارت!

GMT 08:54 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف فاز ترمب... ولماذا ستكون رئاسته الثانية مختلفة؟

GMT 08:52 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب صانع النجوم

GMT 08:50 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

GMT 08:46 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الدور العائلي في فوز «ترامب»

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:37 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مكون غذائي يساعد في تسريع تعافي العضلات بعد التمرين
  مصر اليوم - مكون غذائي يساعد في تسريع تعافي العضلات بعد التمرين

GMT 00:02 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تعود بعد 7 سنوات بمية دهب
  مصر اليوم - هيفاء وهبي تعود بعد 7 سنوات بمية دهب

GMT 05:51 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

سامسونغ تطلق نسخة جديدة من "جلاكسي فولد" القابل للطي

GMT 11:37 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات قاتلة طفليها في محافظة الدقهلية

GMT 21:22 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل وفاة 35 معتمرًا وإصابة 4 إثر حادث "مكة"

GMT 00:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تنتظر استدعاء النيابة بشأن الفيديو الإباحي

GMT 09:30 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن سلمان يلتقط صور"سلفي" في "الفورميلا أي"

GMT 07:39 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"جزر السيشل" في المحيط الهندي جنة لعشاق الطبيعة

GMT 19:26 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

طبال يبيع زوجته لـ"ثري عربي" مقابل 2000 ريال

GMT 20:52 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

المطربة ساندي تتعرض للإصابة خلال تصوير "عيش حياتك"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon